لماذا يركض العدّاءون عكس عقارب الساعة ؟

يتساءل الكثيرون "لماذا الطواف عكس عقارب الساعة؟". في اللغة الإنجليزية، يُشار إلى "عكس عقارب الساعة" بـ counterclockwise، بينما "اتجاه عقارب الساعة" يُسمى clockwise ويعني الحركة من اليسار إلى اليمين. قوانين الدوران مع عقارب الساعة تُستخدم في مجالات مختلفة كالهندسة والرياضيات، وكذلك "المشي عكس عقارب الساعة" أو "الجري مع عقارب الساعة" يعتمد على الهدف أو الثقافة المتبعة، كما يُلاحظ أن دوران عقارب الساعة غالبًا ما يتجه من الشرق إلى الغرب.

عند مشاهدة السباقات في المضامير الرياضية، ربما يتساءل البعض عن سبب ركض العدائين دائمًا عكس عقارب الساعة (counterclockwise). إن هذا السؤال البسيط يحمل وراءه تاريخًا طويلاً وتجارب علمية وفسيولوجية مثيرة. لنلقي نظرة أعمق على هذا الموضوع لنكتشف الأسباب المختلفة وراء هذا الاتجاه الشائع.


تاريخ الركض في المضامير

في بداية السباقات الأولمبية الحديثة، وتحديدًا في دورة الألعاب الأولمبية الأولى في أثينا عام 1896، كانت السباقات تُجرى في اتجاه عقارب الساعة. خلال هذه الدورة، تمت جميع السباقات، بما في ذلك سباقات 200م و400م و800م، في هذا الاتجاه. ومع ذلك، شعر العديد من العدائين بعدم الراحة وحتى بالألم عند الجري بهذا الاتجاه. وعبّر الكثيرون منهم عن إحساسهم بأن الجري نحو اليمين غير طبيعي.


التحول إلى الاتجاه المعاكس لاتجاه عقارب الساعة

بداية من عام 1913، بدأت الهيئات الدولية في اعتماد الجري بعكس اتجاه عقارب الساعة. كان هذا التحول نتيجة لتجارب العدائين وشكاواهم من الجري في اتجاه عقارب الساعة. هذا القرار لم يكن مجرد تعديل طفيف، بل كان له أثر كبير على الأداء الرياضي والشعور بالراحة أثناء السباق.


التفسير العصبي والفسيولوجي لهذه الظاهرة

الباحث الياباني هداياكي فوكامي قدم تفسيرًا علميًا لهذا التحول. يعتمد تفسير فوكامي على أن الإنسان يميل فطريًا إلى الاتجاه نحو الجهة اليسرى عند الجري. هذا الميل مرتبط بتركيبة الدماغ، حيث يتحكم النصف الأيمن من الدماغ في الشطر الأيسر من الجسم، وهو المسئول عن إدراك الفضاء. بالإضافة إلى ذلك، تكون الرؤية والإبصار أفضل من الجهة اليسرى، مما يجعل الجري عكس عقارب الساعة أكثر راحة وطبيعية.


تجارب ودراسات داعمة

استند فوكامي إلى بحث أجرته الإدارة العامة للأمن في إحدى المدن اليابانية، هونشو، والذي أظهر أن 80% من المجرمين يتجهون نحو اليسار عند الهروب. لدعم أطروحته، قام فوكامي بتجربة على أربعة رياضيين جامعيين، حيث طلب منهم الجري مسافة 400 متر في الاتجاهين، مرة في الاتجاه الأيمن ومرة في الاتجاه الأيسر. النتائج كانت مذهلة؛ إذ سجل الرياضيون معدل زمن أقل بمقدار ثانيتين عند الجري عكس اتجاه عقارب الساعة. هذا الفرق في الزمن يعزز الفكرة بأن الجري عكس عقارب الساعة هو أكثر طبيعية ومريحًا للجسم البشري.


عوامل أخرى مؤثرة

إلى جانب التفسيرات العصبية والفسيولوجية، هناك عوامل أخرى تسهم في تفضيل هذا الاتجاه. منها :


  • التوازن العضلي: الجري عكس عقارب الساعة يساعد في تحقيق توازن أفضل للعضلات، حيث يكون الجزء الأيسر من الجسم في الداخل، مما يقلل من الإصابات المحتملة.
  • الرؤية الواضحة: معظم الناس يميلون لاستخدام العين اليمنى بشكل أفضل. عند الجري عكس عقارب الساعة، تكون العين اليمنى قريبة من الداخل، مما يوفر رؤية أوضح للأمام وللمنافسين.
  • التقاليد الرياضية: منذ اعتماد هذا الاتجاه، أصبح الجري عكس عقارب الساعة هو القاعدة المعتمدة في معظم الرياضات، مما يعزز استمرارية هذا التقليد.


كخلاصة، الجري عكس عقارب الساعة في السباقات الرياضية ليس مجرد صدفة، بل هو نتيجة لمجموعة من العوامل التاريخية، العصبية، والفسيولوجية. هذه العوامل مجتمعة جعلت من هذا الاتجاه الخيار الأكثر راحة وطبيعية للعدائين. من هنا، يمكن فهم لماذا أصبح هذا الاتجاه هو المعيار في جميع السباقات الرسمية حول العالم.


باتباع هذه المعايير، يمكن للعدائين تحقيق أفضل أداء ممكن، مع الحفاظ على راحتهم وتجنب الإصابات. ومن خلال فهم هذه العوامل، يمكننا تقدير المزيد من التفاصيل الدقيقة التي تجعل من الرياضة علمًا وفنًا في آن واحد.