بينما يرى العديد من الخبراء أن غالبية الناس تفتقر إلى فيتامين د (D) وأن المكملات الغذائية قد تكون ضرورية، فإننا نشهد، في الآونة الأخيرة، ظهور المزيد والمزيد من المقالات على شبكة الإنترنت تدعي أن فيتامين (د) خطير عند وصوله لمستويات معينة في الدم. فهل تناول فيتامين (د) له اضرار ؟
فيتامين يتم تصنيعه أثناء التعرض لأشعة الشمس
فيتامين د هو عنصر ضروري لبقاء الإنسان. بدونه، يصاب بمرض الكساح ونقص الكالسيوم في الدم ويموت في النهاية (الفيتامينات مادة ضرورية للحياة). منذ حوالي 9 ملايين سنة، يصنع الإنسان فيتامين د من خلال التعرض لأشعة الشمس. يعرف الباحثون مقدار فيتامين د الذي يمكن إنتاجه بدون مكملات غذائية، ببساطة من خلال التعرض لأشعة الشمس فوق البنفسجية في الصيف، أي في الظروف المثالية : من 10000 إلى 25000 وحدة دولية في أقل من ساعة !
يسمح هذا التزوّد بفيتامين د من خلال الشمس بالحصول على مستوى فيتامين د في الدم يصل إلى 100 نانوغرام / مل، وهو مستوى شائع لدى المنقذين البحريين في بعض الشواطئ الأمريكية.
مكملات فيتامين د خطيرة جداً !
تم نشر آلاف الدراسات في السنوات الأخيرة حول الفوائد الصحية لفيتامين د. وقد جدت كلها فائدة صحية في وجود ما يكفي من هذا الفيتامين في الجسم، وأحيانًا فائدة من مستويات أعلى للوقاية من أمراض معينة مثل السرطان. لكن حفنة من هذه الدراسات (أقل من عشرة) أظهرت العكس : وجود مستوى "طبيعي مرتفع" من فيتامين د في الدم يعتبر خطيرًا ! وبطبيعة الحال، سارعت الصحافة التي تبحث عن مادّة دسمة (لجلب المشاهدات) إلى تناقل هذه الدراسات القليلة وإشاعة أن فيتامين د ضار ! وبالطبع، لم يأخذ أي صحفي الوقت الكافي لقراءة الدراسات بأكملها.
العلاقة ليست سببية
جميع الدراسات التي أظهرت خطر ارتفاع مستويات فيتامين د في الدم تشترك في شيء واحد : إنها دراسات قائمة على الملاحظة. وتتجلى في مراقبة عينة من السكان ومن ثم إجراء روابط إحصائية بين الأحداث. على سبيل المثال، لنفترض أننا قمنا بمتابعة 1000 رجل بالغ، وراقبنا أسلوب حياتهم ونظامهم الغذائي ومدى حدوث نوبة قلبية لديهم خلال السنوات العشر الماضية. لنفترض أن 100 رجل أصيبوا بنوبة قلبية خلال هذه الفترة وكان جميعهم يمتلكون كلبًا. الاستنتاج الإحصائي : امتلاك كلب يسبب أزمة قلبية. نعم، هذا أمر سخيف تمامًا، لكنه يوضح صعوبة استخلاص النتائج من الدراسات الرصدية.
سببية لم يتم إثباتها
ومع ذلك، توجد معايير إحصائية تجعل من الممكن تحويل رابط من هذا النوع إلى علاقة سببية خالصة ومثبتة عند توافر شروط معينة. وتسمى هذه الشروط "معايير برادفورد هيل". وبدون الخوض في التفاصيل، هناك 9 من هذه المعايير.
على سبيل المثال، يجب أن تكون العلاقة مرتبطة بالقوة. في مثالنا، يجب أن يلحظ الأشخاص الذين لديهم أكثر من كلب واحد أن خطر إصابتهم بالنوبات القلبية يزداد أكثر من أولئك الذين لديهم كلب واحد فقط. كما يجب أن نكون قادرين على شرح الآلية البيولوجية التي من خلالها يؤدي امتلاك كلب إلى زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية، وننجح في إظهار ذلك في دراسة مخبرية، وما إلى ذلك. بالنسبة للدراسات التي تشيطن فيتامين د، فإنها بعيدة كل البعد عن هذه المعايير.
في المقابل، فإن الدراسات التي تم فيها إعطاء فيتامين د للمتطوعين، مع متابعتهم لعدة أشهر، لم تظهر أبدًا أدنى تأثير ضار على الصحة. بشرط ألا يتجاوز مستوى فيتامين د في الدم المستوى الطبيعي الذي يتم الحصول عليه من الشمس، أي أن يظل أقل من 100 نانوجرام/مل.
الباحثون يدركون ذلك
وفي معظم هذه الدراسات (ولكن ليس كلها)، يدرك الباحثون جيدًا محدودية نتائجهم ويختتمون دائمًا بالتوضيح أن هذا لا يثبت شيئًا، وأنه يجب علينا أن نسعى لفهم لماذا تجد بعض الدراسات نتائج مخالفة لآلاف الدراسات. طبعا الصحافة تتجنب إخبارك بذلك في مقالاتها. قد يكون هذا، على سبيل المثال، عاملاً محيرًا : فالرجال الذين لديهم كلاب قد يكونون أيضًا أقل نشاطا، وهو ما يفسر خطر إصابتهم بالنوبات القلبية بمعدل أكبر.
فيتامين أ هو المتّهم في القضية ؟
لتفسير هذه النتائج المتناقضة، قدم الباحثون أنفسهم تفسيرا مثيرا للغاية : تم إجراء دراسات الارتباط هذه بشكل رئيسي على سكان الشمال، الذين كانت مكملات فيتامين د شائعة بينهم لفترة طويلة جدا بسبب ندرة أشعة الشمس. مكملات زيت كبد سمك القد هو الأكثر استخداما في هذه البلدان. لسوء الحظ، رغم أن زيت كبد سمك القد غني جدًا بفيتامين د، إلا أنه أيضًا غني جدًا بفيتامين أ، وهو أحد أكثر الفيتامينات سمية في العالم والذي يتميز بقدرته على كبح نشاط فيتامين د في الجسم.
لذلك فإن اختفاء فائدة فيتامين د عندما يرتفع مستواه في الدم هو راجع الى وجود كمية زائدة مصاحبة من فيتامين أ وليس لأن فيتامين د خطير! لذلك يوصي الباحثان الأكثر شهرة في العالم في مجال أبحاث فيتامين د، الدكتور "كانيل" والدكتور "هوليس"، بشدة بعدم استخدام زيت كبد سمك القد كمكملات فيتامين د.
مخاطر نقص فيتامين د
غالبًا ما ينصح المؤلفون الذين ينقلون هذه المعلومات (صراحةً أو ضمنًا) بعدم محاولة الحصول على مستوى فيتامين د في الدم أعلى من 20 نانوغرام / مل. هذه النصيحة هي ببساطة إجرام ! في الواقع، أظهرت العديد من الدراسات أن المستوى الذي يتراوح بين 20 و30 نانوجرام/مل يزيد بشكل كبير من خطر الإصابة بـ 15 حالة سرطان على الأقل.
ويجب ألا ننسى منطقنا في هذه القصة بأكملها ؟ إذا كان الإنسان قد عاش 9 ملايين سنة في الهواء الطلق، معرّضًا لأشعة الشمس، حيث تصل مستويات فيتامين د في دمه إلى 100 نانوغرام / مل، فبأي منطق يمكن أن تصير هذه المستويات خطيرة اليوم ؟