مع انخفاض درجات الحرارة ودخول فصل الشتاء، قد تلاحظ أن بطارية هاتفك تستنزف أو تفرغ بشكل أسرع من المعتاد. يمكن أن تعزى هذه الظاهرة إلى عدة عوامل، بدءاََ من التفاعلات الكيميائية إلى انخفاض درجة الحرارة، مما يؤثر على أداء بطاريات الليثيوم أيون، المستخدمة على نطاق واسع في الهواتف الذكية الحديثة. دعونا نكتشف معًا الأسباب وراء هذا الانخفاض السريع في بطارية الهاتف في الفصل البارد وبعض النصائح لإصلاح المشكلة.
أولا، هل سبق لكم أن تساءلتم كيف تعمل الكهرباء ؟ يتم إنتاج الطاقة الكهربائية عندما تتحرك الإلكترونات. إن حركة الإلكترونات المنظمة في اتجاه واحد هي التي تولد تيارًا كهربائيًا. في العادة، تسبح الإلكترونات سالبة الشحنة بهدوء حول نواة ذرتها، لأن هذه النواة الموجبة الشحنة تجذبها بشكل لا يقاوم مثل المغناطيس. الشحنات المتضادة تتجاذب مع بعضها البعض، وهذا ما يسمى القوة الكهرومغناطيسية.
في الذرة، الشحنة الموجبة للنواة تعادل الشحنات السالبة للإلكترونات، وبالتالي فإن الذرة متعادلة كهربائيا. وبالتالي فإن الأجسام المحيطة بنا، والتي تتكون جميعها من ذرات، هي أيضًا متعادلة كهربائيا. لكن في بعض الأحيان يكفي فرك جسمين ببعضهما البعض حتى "يوافق" أحدهما على التخلي عن عدد قليل من الإلكترونات للآخر. وبالتالي يصبح الجسم المقرض مشحونًا موجبًا، والآخر سالبًا. إذا قمت بفرك بالون مملوء بالهواء على سترة محبوكة من الصوف مثلا، فسوف تنبهر عندما ترى أن البالون يظل ملتصقًا بالسترة ! وسوف يبقى ملتصقا حتى تجد الشحنات الكهربائية المختلفة مكانها. لقد قمت للتو، في هذه التجربة، بإنشاء الكهرباء الساكنة !
الكهرباء تكون ساكنة عندما يكون هناك تراكم للشحنات الكهربائية ولكن الإلكترونات لا تتحرك بطريقة منظمة. لإنتاج كهرباء ديناميكية، أي تيار كهربائي، سيكون من الضروري جعل جميع الإلكترونات تدور في نفس الاتجاه.
يمكننا نظريًا تشغيل الهاتف بمجرد فرك سترة الصوف، لكن عمليا هذا مستبعد. لذلك وجدنا طريقة أفضل لتحريك الإلكترونات في الأجهزة مثل الهواتف : الكيمياء.
تحتوي بطاريات الهواتف المحمولة على أيونات الليثيوم !
البطاريات موجودة في كل مكان. في الهاتف، كما هو الحال في السيارة الكهربائية، هناك احتمال كبير جدًا أن تكون بطارية أَيُون اَلْلِيثْيُوم (Li-ion battery). في هذه الصيغة، يوجد Li لليثيوم، وهو عنصر كيميائي خفيف جدًا ينتمي إلى عائلة المعادن، والأيون ion، وهو ذرة فقدت أو اكتسبت إلكترونًا وبالتالي لم تعد متعادلة كهربائيا. لذلك تحتوي بطاريات هواتفنا على أيونات الليثيوم.
تتمتع البطاريات بقدرة كبيرة على تخزين الطاقة في صورة كيميائية وإطلاقها في صورة كهربائية ! وهي تحتوي على قطعتين من المعدن تسمى الأقطاب الكهربائية وهي قادرة على التخلي عن الإلكترونات أو التقاطها. سيكون أحد القطبين موجبًا والآخر سالبًا، بحيث تنتقل الإلكترونات بالتناوب من أحدهما إلى الآخر عبر نوع من السائل الموصل.
وفي المعادن، يتولد التيار الكهربائي عن طريق حركة ما يسمى بالإلكترونات الحرة، لأنها لم تعد مرتبطة بذرة. في البطارية، الأمر مختلف قليلاً. الأيونات هي التي تحمل الإلكترونات لتجعلها تمر عبر المحلول الموصل.
يولد القطب السالب تفاعلًا كيميائيًا قادرًا على إطلاق أيونات سالبة الشحنة، وهذا ما يطلق عليه تفاعل الأكسدة. من جانبه، يلتقط القطب الموجب ويخزن الأيونات الموجبة الشحنة، وذلك بفضل تفاعل كيميائي آخر يسمى تفاعل الاختزال. في بطارية ليثيوم أيون، الليثيوم هو العنصر الكيميائي الرئيسي في هذين التفاعلين.
الإلكترونات المرتبطة بالأيون والتي يطلقها القطب السالب، سوف تنتقل نحو القطب الموجب، لتوليد تيار كهربائي والسماح لنا بتشغيل الهاتف... وفي نهاية رحلتها، ستنتهي الأيونات متجمعة في القطب الموجب. عندما لا يكون لدى القطب السالب الوسائل الكيميائية لإنتاج الإلكترونات، ستكون البطارية قد فرغت وسيكون الوقت قد حان لإعادة شحن الهاتف.
عندما تقوم بتوصيل الهاتف بالكهرباء، فإن التيار الكهربائي المحقون يجبر التفاعل الكيميائي في البطارية على السير في الاتجاه الآخر، مما يعيد الإلكترونات وأيونات الليثيوم إلى مكانها الأصلي، أي القطب السالب. عندما تعود جميعها الى مكانها، تكون بطارية الهاتف قد شُحنت من جديد وصار الهاتف جاهزا للإستخدام مرة اخرى.
الهاتف : أنا أشعر بالبرد هل من معطف ليدفئني !
داخل البطارية، تتم عملية انتقال أيونات الليثيوم بين الأقطاب الموجبة والسالبة من خلال محلول موصل يسمى الكَهْرَل أو الإلكتروليت (بالإنجليزية : Electrolyte). عندما لا يكون الجو باردًا جدًا، تتم هذه الهجرة بسلاسة، ولكن بمجرد أن يصبح الجو باردًا جدًا، يميل الإلكتروليت الى أن يصبح لزجًا. وهكذا تتحرك الأيونات بصعوبة وتصل إلى قطبها الكهربائي بسرعة أقل.
ولهذا السبب قد يعمل الهاتف ببطء عندما تكون درجات الحرارة منخفضة للغاية. لكن هذا لا يعني أن البطارية تُستنزف بشكل أسرع ! عندما تفقد الأيونات القدرة على الحركة، يتم ببساطة نقل طاقة كهربائية أقل من البطارية إلى الهاتف. ولذلك فمن الممكن أن ينطفئ الهاتف، على الرغم من أن بطاريته مشحونة تمامًا. من ناحية أخرى، إذا قمت بتوصيل الهاتف في طقس بارد للغاية، فستستغرق بطاريته وقتًا أطول بكثير للشحن.
على أية حال، كل ما عليك فعله هو تسخين هاتفك وبالتالي بطاريته بلطف حتى يعود كل شيء إلى طبيعته ! لأنه عادة، بين 0 و35 درجة مئوية، تتنقل أيونات الليثيوم بسلاسة. ووجب التنبيه الى ضرورة تفادي استعمال مجفف شعر أو جهاز يصدر حرارة مباشرة عالية، فقد يؤدي ذلك إلى تلف هاتفك بشكل دائم ! ويكفي فقط استخدام اليدين لتدفئة الهاتف.