هل أنت حقا بحاجة لنظارات حماية العين من الضوء الأزرق ؟

نتلقى باستمرار رسائل تحذرنا من أننا نستخدم الشاشات بشكل مفرط، خاصة على حساب صحة العين. ومن هنا يأتي طوفان الإعلانات التي تشجعنا على استخدام مرشحات أو فلترات لحجب الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات قبل فوات الأوان...

ما مدى صحة هذا الإدعاء ؟ ما الضرر الذي تسببه الشاشات ؟ وقبل كل شيء، هل صحيح أننا نؤذي بصرنا وصحتنا نتيجة التعرض للضوء الأزرق المنبعث من الشاشات ؟

الضوء الأزرق

لا يمكن إلقاء اللوم على الإضاءة الاصطناعية في كل الشرور التي تصيبنا. بل إنها كانت نعمة للجنس البشري، لأنها سمحت لنا بإطالة وقت أيامنا. ولكن في الآونة الأخيرة، يتم قضاء الكثير من هذا "الوقت الإضافي" على شاشات الأجهزة الإلكترونية، والتي من المعروف أنها تبعث جزء كبير من الضوء الأزرق، وهو أكثر برودة من مصابيح التنجستن أو مصابيح الفلورسنت التقليدية.

وبشكل أدق، الضوء الأزرق هو نطاق طيف الضوء المرئي بأطوال موجية تتراوح بين 400 و495 نانومتر. وهو نوع من الضوء عالي الطاقة مثل البنفسجي والنيلي. يتم إنتاج هذا النوع من الضوء بشكل طبيعي عن طريق الشمس، والتي تحتوي أيضًا على أشكال أخرى من الضوء المرئي غير المرئي للعين البشرية، مثل الأشعة فوق البنفسجية والأشعة تحت الحمراء.

يشغل الضوء الأزرق أطوال موجية تتراوح من 380 إلى 450 نانومتر من طيف الضوء المرئي.

هل هناك تأثير فسيولوجي لحقيقة أن الضوء الذي نتعرض له في أغلب الأحيان، ليلا ونهارا، هو أزرق "جدا"؟

دعونا نعود للحظة إلى تأثيرات ضوء الشمس. هذا الأخير هو أحد العوامل التي تساعد على تنظيم ساعتنا البيولوجية المركزية، الدورة البيولوجية. عندما يصل الضوء إلى شبكية العين، فإنه يتفاعل مع المستقبلات الضوئية (الخلايا المخروطية والعصوية، مما يسمح برؤية الألوان و الرؤية الليلية) والخلايا الحساسة للضوء الأخرى - مثل بعض الخلايا العقدية التي تحتوي على الميلانوبسين، والتي تنظم هذه الدورة البيولوجية.

يمنع الضوء الأزرق هذه الأخيرة من إفراز الميلاتونين، ما يسمى بهرمون النوم لأنه يعزز النوم (على الرغم من أنه لا يمكن استبعاد أن كل الضوء الذي يصل إلى شبكية العين له تأثير). ويترتب على ذلك أننا إذا عرضنا أنفسنا للضوء الأزرق أثناء استعدادنا للنوم، فإننا نمنع إفراز الميلاتونين مما يؤدي إلى خلل في تنظيم دورة النوم.

تبدو الأمور واضحة... إلا أن معظم الدراسات التي أجريت في هذا المجال لا تمثل متوسط ​​تعرضنا للضوء الأزرق. في الواقع، فإن معظم الظروف التجريبية لا تتوافق مع الحياة اليومية للشخص العادي. وحتى مع ذلك، تظل التغيرات في جودة النوم ضئيلة جدًا (فارق 10 دقائق في النوم). بالإضافة إلى ذلك، فهي عمومًا دراسات شارك فيها عدد صغير من المشاركين : أقل من عشرين شخصا في أغلب الأحيان، وفي أغلب الأحيان تقريبًا هم من الشباب.

ولكن إذا كانت هناك مشكلة بالفعل، فهل تعتبر الفلترات أو المرشحات، التي يتم التبجح بها، حلاً ؟ في الواقع، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن حجب الضوء الأزرق باستخدام الفلترات لا يضمن جودة نوم أفضل. بالطبع، من السهل البحث عن مذنب واحد، وهو الضوء الأزرق، لمواجهته بعلاج بسيط، وهو الفلتر، وإقناع أنفسنا بأننا نفعل ما هو الأفضل لنومنا... مع الاستمرار في استخدام أجهزتنا الإلكترونية ! 

لا يتعلق الأمر بالضوء الأزرق الزائد، الذي تظهر الدراسات أنه ليس قوياً بما يكفي لتعطيل دورة الساعة البيولوجية لدينا بشكل خطير، ولكن ما نفعله بشاشاتنا هو ما يمنعنا من النوم.

الحل الحقيقي هو إيقاف تشغيل هواتفنا والشاشات الأخرى و الخلود الى النوم.

إعلانات مضللة

إذا نظرنا إلى الادعاءات حول فائدة هذه الفلترات، نرى أن العديد من الشركات المصنعة تدعي أن منتجاتها ضرورية لكل ما نقوم به كل يوم. وللقيام بذلك، سلطوا الضوء على أن الضوء الأزرق يضر بشبكية العين ويساهم في تطور الضمور البقعي المرتبط بالعمر، ولذلك يجب علينا تجنبه باستمرار.

تجدر الإشارة إلى أن معظم البحث الذي يربط بين الضوء الأزرق وتلف شبكية العين (أو الخلايا العصبية في الدماغ) قد تم إما على الخلايا المزروعة أو على حيوانات المختبر مثل ذباب الفواكه. هذه الظروف والموديلات التجريبية لا تشبه خصائص والحماية التي تتمتع بها عين الإنسان.

بالإضافة إلى ذلك، فإن شدة الضوء أو وقت التعرض المستخدم في هذه الأجهزة مختلف تمامًا وأعلى مما هو عليه في أجهزتنا الإلكترونية. ولذلك ينبغي توخي الحذر عند استقراء هذه النتائج على وظائف الأعضاء البشرية.

ومع ذلك كله، فقد أثبتت الدراسات أن حجب الضوء الأزرق من خلال فلترات مختلفة لا يمنع أو يؤخر تطور هذه الأمراض.

يمكن أن تؤدي الفلترات إلى نتائج عكسية

تواصل العديد من الشركات التحذير من التعرض حتى لأدنى ضوء أزرق من شاشاتنا وتثير الخوف من الآثار الضارة لبيع نظارتها التي تحمي العين من الضوء المنبعث من الشاشة.

هذه النظارات ليست فقط عديمة الفائدة إذا تم استخدامها بحكمة، ولكنها تؤدي أيضًا إلى نتائج عكسية : خلال النهار، نحتاج إلى إلتقاط الضوء، بما في ذلك اللون الأزرق، لتنظيم دورة الساعة البيولوجية لدينا.

ينبعث من الشمس بشكل طبيعي الضوء الأزرق : يحتاج جسمنا إليه، ومحاولة عزل أنفسنا عن مصدر الإشعاع هذا تؤدي إلى نتائج عكسية.

عندما نستخدم الكثير من الفلترات، فإن المعلومات التي يتلقاها دماغنا تكون مربِكة. من ناحية، تخبر المحفزات الخارجية ساعتنا البيولوجية أننا يجب أن نظل مستيقظين... ولكن من ناحية أخرى، من خلال حجب الضوء الأزرق تمامًا، يتم تنشيط دورة الميلاتونين كما لو كنا نائمين. وهذا يمكن أن يعطل إيقاع الساعة البيولوجية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن حجب الضوء الأزرق دون الحاجة إلى ذلك تؤدي إلى إفقار الرؤية.

الخلاصة : إذا كنت قلقًا بشأن جودة نومك، فإن أفضل ما يمكنك فعله هو تجنب استخدام الهاتف أو الجهاز اللوحي أو الكمبيوتر قبل النوم. فالضوء الأزرق ليس مسؤولاً عن الأرق..