كيف يمكننا معرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي صار له واعي ؟ لمعرفة ذلك، قامت مجموعة من 19 خبيرًا بإنشاء قائمة من المعايير للتحقق منها. إذا استوفى الذكاء الاصطناعي كل هذه الشروط، فيمكن اعتباره كيانًا حقيقيًا !
مستقبلا ستتغير علاقتنا بالآلات بشكل عميق، خاصة إذا أصبحت الروبوتات البشرية أكثر عددًا منا... يمكننا حتى أن نتوقع أن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري أو يقرر التمرد ضد مبتكريه.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو أن نعرف متى سنصل إلى هذا التفرد التكنولوجي، وقبل كل شيء كيف يمكننا أن نعرف أنه تم الوصول إلى هذا الإنجاز المعجزة ؟
في عام 2021، خلق المهندس "بليك ليموين" الكثير من الجدل من خلال التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي الذي كان يختبره قد أظهر شكلاً من أشكال الوعي. وعقب هذه التصريحات قامت شركة غوغل بطرده وسرعان ما نفت ذلك.
وفي عام 2022، قام "إيليا سوتسكيفر"، كبير العلماء في OpenAI، بالتغريد أيضًا بأن بعض أنظمة الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا يمكن أن تكون "واعية قليلاً". وفي الآونة الأخيرة، قال باحثون من مايكروسوفت إن GPT-4 أظهر "شرارات" الذكاء العام المصطنع (AGI).
ربما تكون أنت نفسك في حيرة من أمرك بسبب إجابات ChatGPT المذهلة والمثيرة للدهشة لدرجة الاعتقاد بأن الذكاء الاصطناعي لديه عقل خاص به. فكيف يمكننا التأكد من ذلك ؟
للإجابة على هذا السؤال، قررت مجموعة مكونة من 19 من علماء الأعصاب والفلاسفة وخبراء علوم الكمبيوتر وضع قائمة من المعايير التي تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي لديه فرصة كبيرة في أن يكون واعيًا.
لكن، في الواقع، ما هو الوعي؟
قبل أن نتمكن من تحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي واعيًا، يبدو من الضروري تحديد ماهية الوعي. وهذه ليست مهمة سهلة.
في هذا المشروع، ركز الباحثون على "الوعي الظاهري" الذي يسمى أيضًا بالتجربة الذاتية. يتعلق الأمر بتجربة الوجود، وما يعنيه أن تكون شخصًا أو حيوانًا أو نظام ذكاء اصطناعي.
تحاول العديد من النظريات القائمة على علم الأعصاب تحديد الأساس البيولوجي للوعي، ولكن لم يتم التوصل إلى إجماع حتى الآن.
من أجل إنشاء إطارهم، استخدم المؤلفون العديد من هذه النظريات. والفكرة هي أنه إذا كان نظام الذكاء الاصطناعي يعمل بطريقة تتوافق مع العديد من هذه الاطروحات، فهناك احتمال أكبر أن يكون واعيًا.
ويعتبر هذا النهج أكثر أهمية من مجرد إخضاع الذكاء الاصطناعي لاختبار سلوكي. لسبب وجيه، أصبحت الأنظمة الحديثة جيدة للغاية في تقليد البشر ويمكنها خداعنا بسهولة...
تشير هذه الخصائص إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح واعيًا
ومن أجل تطوير قائمة المعايير الخاصة بهم، انطلق مؤلفو الدراسة من مبدأ أن الوعي مرتبط بالطريقة التي يعالج بها الذكاء الاصطناعي المعلومات.
ولا يهم ما إذا كانت أنظمة الذكاء الإصطناعي مصنوعة من خلايا عصبية صناعية أو رقائق كمبيوتر أو أي شيء آخر. ويسمى هذا النهج "الوظائفية الحاسوبية".
وافترضوا أيضًا أن نظريات علم الأعصاب حول الوعي، والتي تمت دراستها من خلال مسح الدماغ أو تقنيات أخرى على البشر والحيوانات، يمكن تطبيقها أيضًا على الذكاء الاصطناعي.
ومن هناك، اختار الفريق ست نظريات واستخرج قائمة من مؤشرات الوعي.
على سبيل المثال، تقترح نظرية مساحة العمل العالمية (Global workspace theory) أن البشر والحيوانات يستخدمون العديد من الأنظمة المتخصصة التي تسمى أيضًا الوحدات النمطية لأداء المهام المعرفية مثل الرؤية أو السمع.
تعمل هذه الوحدات بشكل مستقل، ولكن بالتوازي، وتتشارك المعلومات من خلال دمجها في نظام واحد. لذا، بناءً على هذه النظرية، يمكننا تقييم ما إذا كان الذكاء الاصطناعي واعيًا من خلال فحص بنيته والطريقة التي تتقلب بها المعلومات هناك.
من جانبها، تعتقد نظرية المعالجة المتكررة (Recurrent processing theory) أن مفتاح الوعي هو مرور المعلومات من خلال حلقات التغذية الراجعة (feedback loops). تربط نظرية الرتبة الأعلى (Higher Order Theory) الوعي بعملية عرض وتفسير الإشارات الأساسية التي تستقبلها الحواس.
وتؤكد فرضيات أخرى على أهمية آليات التحكم في الانتباه أو الحاجة إلى جسم قادر على تلقي ردود فعل من العالم الخارجي.
لا يوجد ذكاء اصطناعي حاليا فيه جميع هذه المعايير
بالطبع، يعترف المؤلفون بأن دراستهم بعيدة كل البعد عن كونها نهائية ويريدون من الباحثين الآخرين مساعدتهم على تحسين منهجيتهم.
ومع ذلك، فمن الممكن بالفعل تطبيق المعايير على الذكاء الاصطناعي الحالي. على سبيل المثال، يبدو أن ChatGPT يلبي بالفعل بعض معايير نظرية مساحة العمل العالمية (Global workspace theory).
مولدات الصور مثل DALL-E 2 قادرة على إصدار الأحكام واستكشاف المناطق الرمادية، وهذا ينطبق مع معيار نظرية المعالجة المتكررة (Recurrent processing theory).
وكذلك، Google PALM-E الذي يتلقى مدخلات من أجهزة استشعار روبوتية مختلفة يتوافق مع معايير التجسد أو حتى نظرية مساحة العمل.
AdA Deepmind، والذي تم تدريبه للتحكم في الصورة الرمزية (avatar) في مساحة محاكاة ثلاثية الأبعاد، مؤهل أيضًا لهذه الخصائص على الرغم من عدم وجود أجهزة استشعار مادية لوعيه المكاني.
ومع ذلك، لا يبدو أن أيًا من أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية تستجيب لأكثر من مجموعة قليلة من المعايير. ولذلك لا يوجد ذكاء اصطناعي يمكن اعتباره واعيا حتى الآن.
قضية مهمة أهملها عمالقة الذكاء الاصطناعي
وفقًا للمؤلف المشارك في الدراسة "روبرت لونج"، الفيلسوف في مركز سلامة الذكاء الاصطناعي في سان فرانسيسكو، "يبدو أن هناك نقصًا حقيقيًا في المناقشات التفصيلية والتجريبية والمدروسة حول وعي الذكاء الاصطناعي".
وهو يعتقد أنه لا توجد جهود كافية تبذلها الشركات التي تبني أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة لتقييم مستوى وعيها والتخطيط لما يجب فعله إذا حدث ذلك.
وهذا، على الرغم من أنه "إذا استمعت إلى تصريحات مديري أكبر المختبرات، فإنهم يقولون إن الوعي بالذكاء الاصطناعي هو شيء يفكرون فيه".
وفي مقابلة مع مجلة Nature، أوضح متحدث باسم شركة Microsoft أن عمل الشركة في مجال الذكاء الاصطناعي يركز على فكرة دعم الإنتاجية البشرية بشكل مسؤول بدلاً من نسخ الذكاء البشري.
ومع ذلك، في نظر هؤلاء المتخصصين، فإن الفشل في اكتشاف وعي الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون له آثار أخلاقية مهمة. ووفقا لـ "ميجان بيترز"، عالمة الأعصاب في جامعة كاليفورنيا، فإن "هذا من شأنه أن يغير كل شيء فيما يتعلق بشعورنا نحن البشر بكيف يجب أن يُعامل هذا الكيان"...
لمزيد من المعلومات، يمكنك الرجوع إلى الدراسة المكونة من 120 صفحة المنشورة في arXiv أثناء انتظار تقييمها من قبل باحثين آخرين !