دواء مصنوع من البراز البشري ؟ هذا ما صرّحت به حديثا السلطات التنظيمية الأمريكية. ويتعلق الأمر بمكافحة الالتهابات التي تسببها البكتيريا المعوية عن طريق إعادة تكاثر الفلورا المعوية (البكتيريا النافعة).
قد يبدو الأمر غريبًا، لكن كبسولات الدواء المصنوعة من البراز البشري سيتم تسويقها قريبًا في الولايات المتحدة، كجزء من علاج الفلورا المعوية. وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) للتو على هذا العلاج، والتي يتجلى في استخدام البكتيريا المفيدة الموجودة في الجهاز الهضمي لشخص سليم، لإعادة إسكانها في الشخص الذي يعاني من خلل على مستوى ميكروبيوت الأمعاء.
قبل كل شيئ، يجب الإشارة الى أن الميكروبات المعوية، والتي تسمى أيضًا الفلورا المعوية، تضم جميع الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا والفيروسات والفطريات وما إلى ذلك التي تعدّ بالآلاف) التي تستوطن هذا الجزء من جهازنا الهضمي، الأمعاء في القولون. توازن هذه الكائنات الدقيقة له تأثير كبير على صحتنا. فهي ليست مهمة فقط لهضم الطعام وتصنيع الفيتامينات، ولكن أيضًا لجهاز المناعة، أي أنها توفر الحماية ضد مسببات الأمراض.
هناك عدة عوامل يمكن أن تؤدي إلى خلل في الجراثيم المعوية، مثل الإجهاد أو اتباع نظام غذائي فقير من المغذيات، على سبيل المثال. لكن البكتيريا والفيروسات والفطريات السيئة، وطرق التخلص منها، مثل استخدام المضادات الحيوية، لها أيضًا تأثير ضار على هذا الجزء المهم جدًا من الجسم. وذلك لأن المضادات الحيوية تدمر كل شيء في طريقها عند تناولها، بما في ذلك البكتيريا الصحية في الأمعاء. هذا هو السبب في أن الأطباء يصفون علاجًا يتكون من البروبيوتيك ليتم تناوله بعد استخدام المضادات الحيوية. لكن هذا الخلل يمكن أن يجعل الكائنات الحية الدقيقة أكثر عرضة للعدوى في المستقبل. بعد الشفاء، قد يكون هناك ظهور عدوى من جديد إذا لم يتم إصلاح الفلورا المعوية بشكل جيد.
لهذا السبب فإن زرع أو تطعيم مادة برازية سليمة، والتي تضم العديد من الكائنات الدقيقة الجيدة، قد تم بالفعل، في الولايات المتحدة وأستراليا، للمساعدة في استعادة التوازن البكتيري في أمعاء المرضى. لكن هذا العلاج الجديد، في شكل كبسولة، أسهل للمرضى من طرق الزرع.
علاج فعال ضد البكتيريا المقاومة
في الواقع، تم تطوير هذا العلاج الجديد المسمى "Vowst"، لمحاربة بكتيريا شديدة المقاومة للمضادات الحيوية والتي تسبب اضطرابات معوية خطيرة. غالبًا ما يتم الإصابة بعدوى المطثيات العسيرة (الاسم العلمى : Clostridioides difficile) في المستشفى من قبل المرضى الذين خضعوا للعلاج بالمضادات الحيوية. يمكن أن تسبب الإسهال وآلام البطن والتهاب القولون ويمكن أن تكون خطيرة. ترتبط هذه العدوى البكتيرية بحوالي 15000 إلى 30000 حالة وفاة سنويًا في الولايات المتحدة من بين حوالي 500000 إصابة، وفقًا لتقرير عام 2015.
يوفر هذا العلاج إمكانية إعادة التكاثر البكتيري بسرعة بفضل أربع كبسولات يوميًا لمدة أربعة أيام. ومع ذلك، قد يبدو العلاج عن طريق الفم محفوفًا بالمخاطر : يجب أن يمر الدواء الذي يحتوي على البراز عبر الجهاز الهضمي بالكامل قبل وصوله إلى الأمعاء. لكن يبدو أنه ينجح : أجريت تجربة سريرية على 182 مشاركًا، وأظهرت بعض الفعالية. فقط 12.4 ٪ من المرضى الذين عولجوا أصيبوا بعدوى المطثية العسيرة مقارنة بـ 39.8 ٪ من مجموعة الدواء الوهمي.
بالطبع، يتم فحص البراز المتبرع به لصنع هذه الكبسولات بعناية بحثًا عن مسببات الأمراض التي يمكن أن تنتقل عبره. ولكن لا يزال هناك "خطر انتقال العوامل المعدية"، وفقًا لإدارة الغذاء والدواء. ومع ذلك، فإن نسبة الفائدة هي أعلى من المخاطر.