مع توالي ظاهرة جفاف الأنهار وذوبان الأنهار الجليدية، فإن الاحتباس الحراري سيجعل من المياه العذبة، التي أصبحت سلعة ثمينة للغاية، أكثر ندرة. وعلى الرغم من وفرتها، لا يمكن للإنسان تعويض هذا النقص بشرب مياه المحيطات. بالمناسبة، لماذا لانستطيع شرب المياه المالحة ؟
استحالة فسيولوجية
يوجد الكثير من الملح في مياه البحر، حيث يمثل حوالي 3.5٪ من وزنها. ومع ذلك، لا يستطيع جسم الإنسان ببساطة امتصاص مثل هذه الكمية من الملح دون حصول ضرر.
هذه الخصوصية ترجع جزئياً بلا شك إلى التاريخ التطوري للإنسان، مما دفعه إلى الاستقرار بشكل رئيسي في المناطق التي كانت فيها المياه العذبة بكثرة.
هذا لا يعني أن الجسم لا يحتاج إلى الملح. ولكن عندما يأخذ الكمية القليلة التي يحتاجها، يتخلص من الباقي في البول.
تجعل الكلى البول أقل ملوحة من الدم. إنها ضرورة فسيولوجية. لكن مياه البحر تحتوي على ملح أكثر بثلاث مرات، بل وأكثر بقليل من دمائنا.
في حالة شرب مياه مالحة، يجب على الكلى بعد ذلك إنتاج المزيد من البول وسحب الماء اللازم من الخلايا. وهذا يمكن أن يؤدي فقط إلى الجفاف الشديد، وربما يكون قاتلا.
لذلك لا يمكن للمياه المالحة أن تطفئ العطش، بل على العكس من ذلك فهي تزيد من الشعور بالعطش بشكل أكبر.
بعض الاستثناءات في مملكة الحيوان
إذا كانت معظم الحيوانات، مثل البشر، لا تستطيع شرب المياه المالحة، فيمكن للبعض منها أن تشربها دون أي مشكلة. كما هو الحال، على سبيل المثال، مع طائر القطرس، الذي يملك غدة تقوم بترشيح ملح مياه البحر.
وبالمثل، يمكن أن تروي الفقمات وأسود البحر عطشها من مياه البحر. وما زال العلماء لا يعرفون حقًا لماذا. لكن الباحثين وجدوا أن بول هذه الحيوانات كان أكثر ملوحة من بول البشر وأكثر ملوحة من دمائها.
يفترض العلماء أن هذه الخصوصية تأتي من تكوين كلى هذه الحيوانات. أخيرًا، بعض الثدييات البحرية، مثل الدلافين أو الحيتان، تبتلع بلا شك كمية معينة من مياه البحر، والتي لم يستطيع العلماء قياسها بدقة حتى الآن.
لماذا لا نقوم بتحلية مياه البحر لمواجهة الجفاف ؟
ترتبط شدة فترات الجفاف ومدتها نسبيا، مثل غيرها من الظواهر المناخية، بالاحتباس الحراري في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، فإن الفرشات المائية الجوفية تواجه صعوبة في الامتلاء، كما أن مياه الشرب تنفد في بعض البلدان.
وأمام عودة هذه الظاهرة، يتساءل البعض لماذا لا نلجأ أكثر إلى تحلية مياه البحر.
في الواقع، تستخدم بعض الدول، مثل المملكة العربية السعودية أو إيران، هذه التقنية على نطاق واسع. تتم تغطية حوالي 60% من احتياجات مياه الشرب في دول الخليج العربي بهذه الطريقة.
كما تلجأ الى هذه التقنية البلدان الواقعة حول البحر الأبيض المتوسط، مثل مصر أو المغرب.
تحلية مياه البحر مستهلكة للطاقة والملوثة
إذا كانت بعض البلدان مترددة في تحلية مياه البحر، فذلك لأن التقنيات الحالية لها عيوب كبيرة.
في الواقع، فإن الأساليب المستخدمة بشكل عام تستهلك الكثير من الطاقة. وهذا هو حال التقنية التي تتجلى في تقطير ماء البحر عن طريق غليه في غلاية (وعاء ضغط مصمم لتحويل سائل إلى بخار).
ويقدر المتخصصون أنه من الضروري استهلاك ما بين 7 وما يزيد قليلاً عن 27 كيلووات/ساعة لضمان تحلية متر مكعب واحد من مياه البحر.
الطريقة الثانية، والتي تسمى "التناضح العكسي"، ليست أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. تتجلى في تصفية مياه البحر باستخدام غشاء معين. تحت ضغط قوي، يمر الماء عبر هذا الغشاء، ويترك ملحه هناك.
لكن تحلية مياه البحر تطرح مشكلة أخرى : فهي ملوثة للغاية. في الواقع، يُستخدم الوقود الأحفوري، المسئول عن انبعاثات الغازات الدفيئة، على نطاق واسع لتحلية مياه البحر.
علاوة على ذلك، فإن عملية التحلية هذه تترك، في نهاية العملية، بقايا شديدة الملوحة. وبالتالي، يتم إطلاق هذه المحاليل الملحية عالية التركيز في البحر، مما يؤدي إلى الإضرار بالنباتات والحيوانات البحرية.
ما هي الطرق المختلفة المستخدمة لجعل مياه البحر صالحة للشرب ؟
هناك عدة طرق يستخدمها الخبراء لتحلية مياه البحر وجعلها صالحة للشرب. وفيما يلي بعض الطرق الأكثر شيوعًا :
- التقطير (Distillation) : تتجلى هذه الطريقة في غليان مياه البحر لإنتاج بخار الماء الذي يتكثف بعد ذلك ليعطي الماء العذب. تتطلب هذه التقنية الكثير من الطاقة، لكنها فعالة جدًا في إزالة الشوائب والأملاح من مياه البحر.
- التناضح العكسي (Reverse Osmosis) : تستخدم هذه الطريقة غشاء شبه منفذ (semi-permeable membrane) لتصفية الأملاح والشوائب من مياه البحر، كما تتطلب طاقة ولكنها أقل تكلفة من التقطير.
- التطهير (disinfection) : بعد المعالجة بإحدى الطريقتين المذكورتين أعلاه، يجب تطهير مياه البحر للقضاء على الكائنات الحية الدقيقة التي يمكن أن تسبب المرض. يمكن القيام بذلك باستخدام مواد كيميائية مثل الكلور أو الأوزون أو بيروكسيد الهيدروجين.
- الطاقة الشمسية (Solar energy) : تستخدم هذه الطريقة الطاقة الشمسية لإنتاج مياه الشرب باستخدام تقنية تسمى "المقطر الشمسي" أو (solar still). هذه الطريقة مفيدة بشكل خاص في المناطق التي لا تتوفر فيها الكهرباء.
- الترشيح (Filtration) : تستخدم هذه الطريقة نظام ترشيح لإزالة الجزيئات والشوائب من مياه البحر، وغالبًا ما تستخدم مع طرق معالجة المياه الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن كل طريقة من هذه الطرق لها مزاياها وعيوبها، واختيار إحدى هذه الطرق سيعتمد على الظروف المحلية والموارد المتاحة ومستوى المعالجة اللازمة لإنتاج مياه شرب جيدة.