مع ظاهرة الاحتباس الحراري، صارت موجات ارتفاع درجات الحرارة تجيء دائمًا مبكرة و تكون أكثر شدة. لكن بعض الناس يتحملون أكثر من غيرهم موجات الحر هذه. كيف يمكن تفسير هذه المقاومة الأكبر للحرارة التي يتميز بها هؤلاء ؟
مسألة مورفولوجيا
عندما ترتفع درجة الحرارة، يبدأ بعض الناس بالشعور بالاختناق، بينما لا يبدو أن البعض الآخر ينزعج من موجات الحر هذه. في الواقع، هناك عدة أسباب قد تفسر هذه الاختلافات.
من بين هذه الأسباب مورفولوجيا جسم الشخص. في الواقع، يبدو أن الأشخاص الذين يملكون أجسام ضخمة قليلاً لا يتحملون الحرارة بشكل جيد. ويفسر البعض سبب ذلك الى الطبيعة العازلة لطبقة دهون الجسم.
فيما يرى البعض الآخر، أن جسم الشخص الذي يعاني من زيادة كبيرة في الوزن، يستغرق وقتًا أطول لخفض درجة حرارته. حيث بسبب الحمولة الثقيلة من الأنسجة، يتعب الشخص كثيرا، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة جسمه.
يلعب الطول أيضًا دورًا في هذه الظاهرة. حيث إن الشخص الطويل النحيف يجد صعوبة أقل في تحمل الحرارة.
أسباب أخرى
هناك عوامل أخرى تلعب دورًا في تفسير هذه الاختلافات بين الأشخاص في تحمل الحرارة. بداية من المورثات الجينية لبعض المجموعات من البشر الذين اعتادوا على درجات الحرارة المرتفعة. كما هو الحال، على سبيل المثال، مع سكان مناطق معينة من نصف الكرة الجنوبي.
يمكن تفسير هذا الاختلاف في مقاومة الحرارة من خلال الجنس أيضاً. وبالتالي، فإن النساء، على الأقل في فترات معينة من حياتهن، أكثر حساسية للحرارة. ويرجع سبب ذلك، في الغالب، الى الهرمونات. في الواقع، بعض الهرمونات الأنثوية، في وقت الحيض أو سن اليأس، ترفع درجة حرارة جسم المرأة.
وهناك سبب آخر لتفسير هذه الظاهرة، وهو العمر. في الواقع، يقل التعرق لدى الأطفال الصغار وكبار السن. وكما هو معلوم، فإن هذا العرق هو الذي، في الطقس الحار، يخفض درجة حرارة الجسم. لهذا السبب، فالأطفال وكبار السن يجدون صعوبة في تحمل الحرارة.
وللإشارة فقط، يمكن أن يكون التعرق المفرط علامة على ضعف وظيفة الغدة الدرقية أو نتيجة حساسية مفرطة للحرارة.
لماذا تتسبب موجات الحر في الموت ؟
تم تصميم جسم الإنسان ليقاوم ارتفاع درجات الحرارة، ولكن فقط إلى حد معين. والدليل هو الـ 70 ألف شخص الذين قضوا في أوروبا بسبب موجة الحر عام 2003. والسؤال المطروح هو كيف يمكن أن يموت الإنسان من ارتفاع درجات الحرارة ؟
جهاز مصمم لتنظيم درجة حرارة الجسم
مبدإياً، جسم الإنسان مجهز لمقاومة درجات الحرارة المرتفعة. في الواقع، هناك بنية في الدماغ، تسمى الوطاء (hypothalamus)، التي، من بين إحدى وظائفها، التحكم في آليات مقاومة ارتفاع الحرارة.
لأداء هذه الوظيفة على أكمل وجه، تتحكم هذه الغدة في عدد معين من الآليات التي تهدف جميعها إلى تبريد الجسم. أول هذه الآليات، العرق. من أجل تبديد الحرارة، يرسل الجسم أيضًا المزيد من الدم إلى الأطراف.
لذلك يعمل الوطاء كنوع من منظم الحرارة الطبيعي (thermostat).
مخاطر ارتفاع درجات الحرارة
إذا طالت موجات الحر المرتفعة لفترات طويلة فإنها تخلق بلبلة في هذه الآليات التنظيمية. فتحدث ظواهر خطيرة، يمكن أن يؤدي بعضها إلى نتيجة مميتة.
وهكذا، يمكن أن تؤدي الحرارة الزائدة إلى تحلل غشاء خلايا الجسم، حيث تتغلغل السموم ومسببات الأمراض بسهولة أكبر داخل هذه الخلايا. ثم تنتشر عناصر معينة من هذه الخلايا المريضة في الدم ويمكن أن تصل إلى الكلى.
علاوة على ذلك، فإن تدفق الدم إلى الأطراف يضر بالأعضاء الحيوية. بسبب النقص في الأكسجين، المرتبط بنقص إمداد الدم، وهذه الحالة تسمى نقص التروية (ischemia). وقد تؤدي في بعض الحالات إلى وفاة الشخص.
كما أن هذه الحرارة الزائدة تغير من تركيبة الدم، مما يؤدي أحيانًا إلى تكوين جلطات دموية. كما يمكن أن تعطل الجهاز المناعي وتؤدي إلى استجابة التهابية مضطربة، مما ينتج عنه نوبات من الحمى.
من جانبه، يتأثر نظام القلب والأوعية الدموية أيضًا من ارتفاع درجات الحرارة. وقد توصلت دراسة حديثة لإحدى الجامعات الأمريكية، الى أن هناك ما لا يقل عن 27 طريقة للوفاة من آثار ارتفاع درجات الحرارة.
أخيراً، ينصح في حالة موجات الحر الشديدة، شرب الكثير من الماء، لترطيب الجسم واللجوء الى الأماكن الباردة.