للإجابة على هذا السؤال، قام الباحثون باختبار ذكاء التوائم المتتطابقة وغير المتتطابقة (الذين يتشاركون 100٪ و 50٪ على التوالي من الجينوم ) بالإضافة إلى اختبار ذكاء التوائم الحقيقية أو المتطابقة التي تتبناها عائلات من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة. خلص الباحثون الى أن الوراثة (حصة التباين في معدل الذكاء المنسوب للجينات) قد يكون من 40 إلى 80٪. لكن هذا النطاق هو إحصائي : صالح لمجموعة من الأشخاص وليس لفرد.
جينات الذكاء غير موجودة
يعقب علماء آخرون على أنه لم يتم تحديد أي اختلافات في الجينوم نفسه، وأن الجين أو الجينات الخاصة بالذكاء غير موجودة. وعلى العكس من ذلك، فإن الأطفال الذين يتم تبنيهم وتربيتهم في بيئة اجتماعية واقتصادية متميزة يمكن أن يتمتعوا بقدرات أعلى بنسبة 10 إلى 15٪ من قدرات إخوتهم الذين نشأوا في بيئة أقل امتيازًا، مما يشكل ذكاءاً ’’مكتسبًا‘‘.
هل الذكاء فطري أم مكتسب ؟
لعقود من الزمان، بحث العلماء في الجينوم البشري عن الجينات المسئولة عن الذكاء. ففي سبعينيات القرن الماضي، كانوا يعتقدون أن جينات الذكاء كانت موجودة على كروموسوم X ، لأن الطفرات في بعض جيناته تسبب اعاقت ذهنية، مثل متلازمة الكروموسوم X الهش. لكن الأبحاث التي توالت منذ ذلك الوقت أظهرت أن جينوم الذكاء أكثر تعقيدًا مما يعتقد.
اليوم، هناك أبحاث كثيرة في علم الوراثة حول الذكاء ... والتي مع ذلك لم تصل الى المستوى المطلوب. أولاً، يلجأ معظمها الى قياس الذكاء باستخدام اختبارات حاصل الذكاء (intelligence quotient).
في الواقع، هذه أداة قياس سيئة، لأنها تستند إلى مبدأ الذكاء العام، في حين أن الذكاء معياري إلى حد ما. بمعنى آخر، يجمع الذكاء وظائف مختلفة (الانتباه والذاكرة واللغة وما إلى ذلك)، وهناك جينات مختلفة تبرمج بروتينات تشارك في هذه الوظائف.
أصبحت المزيد والمزيد من الأبحاث تستند على هذه الرؤية المعيارية. ففي عام 2015، استطاع الباحثون في (إمبريال كوليدج لندن) تحديد أكثر من 1000 جين تتدخل في قدرات معرفية مختلفة. لكن كل منها ليس له سوى تأثير صغير. وعلاوة على ذلك، فإن التركيز بقوة على الجينوم يجعلنا ننسى تأثير العوامل البيئية : نمط الحياة، والخلفية الاجتماعية والثقافية، والتعليم ... فالذكاء يتشكل بالجينوم بنسبة 100٪ وبالبيئة بنسبة 100٪. لايمكن حصره في عنصر فطري أو في عنصر مكتسب. فالأمر كما لو أنك تتساءل عما إذا كانت مساحة المستطيل هي نتيجة طوله أم عرضه.
تحسين النسل وصناعة العباقرة !
في القرن التاسع عشر، طمح (فرانسيس غالتون)، رائد ’’علم تحسين النسل‘‘، إلى بناء عائلات من العباقرة. حيث، كانت العبقرية في نظره صفة موروثة. لأن القدرات الاستثنائية غالبًا ما تنتقل بين النخب من جيل إلى آخر. لذلك يكفي أن يتكاثر الموهوبون فيما بينهم لينجبوا عباقرة. لم يضع في اعتباره، كما أثبت العلم اليوم، أن البيئة لها تأثير حاسم في بناء القدرات المعرفية.
صناعة العباقرة : الصين تحدو حدوه !
في الواقع، حتى ذرية أكثر الآباء
ذكاءً لا يمكنهم ضمان وراثة الجينات ’’الجيدة‘‘. لهذا يعمل معهد (بكين) لعلم الجينوم على هذه القضية بالتحديد. على سبيل المثال، قام هذا المعهد الصيني بجمع الحمض النووي لـ 2500 شخص معدل ذكاءهم يزيد عن 160 (أقل من 2٪ من السكان).
والهدف ؟ تحديد الجينات الرئيسية للذكاء. فإذا نجح بذلك، فسيكون علماء الوراثة قادرين على اختيار، من بين أجنة الزوجين، الجنين الذي يحتوي على الموروث الجيني الأكثر ’’ أهمية ‘‘. هذه المبادرة الصينية تم ادانتها في الغرب.