إنه ’’بول بوت‘‘ الديكتاتور الكمبودي الذي حكم شعبه بين عامي 1975 و1979.
يتسم تاريخ البشرية بلحظات مظلمة وشخصيات شريرة تركت بصمة لا تمحى في الذاكرة الجماعية. من بينها، يبرز اسم ’’بول بوت‘‘ التي ارتبط بفترة من المعاناة التي لا يمكن تصورها في كمبوديا. كان ’’بول بوت‘‘، الاسم الحقيقي (سالوت سار)، زعيم نظام الخمير الحمر الشمولي الذي حكم كمبوديا من عام 1975 إلى عام 1979.
ولد بول بوت عام 1925 لعائلة فلاحية متواضعة، ونشأ في بيئة ريفية بعيدة عن الاضطرابات السياسية التي ستشكل مصيره فيما بعد. بدأ رحلته إلى التطرف عندما درس في باريس، حيث تعرض للأفكار الشيوعية والماركسية. أثرت هذه الأيديولوجيات بعمق على تصوره للعالم وأرست الأساس لمعتقداته المتطرفة.
بمجرد عودته إلى كمبوديا، انضم بول بوت إلى صفوف الخمير الحمر، وهي حركة شيوعية سرية عارضت الحكومة القائمة. في عام 1975، نجح الخمير الحمر في الإطاحة بالحكومة والسيطرة على البلاد، وبذلك بدأت أحد أحلك الفصول في التاريخ الكمبودي. في ظل نظام بول بوت، تمت إعادة تسمية البلاد بـ "كمبوتشيا الديمقراطية"، لكن هذا الاسم أخفى بين طياته حقيقة أكثر مرارة.
فظائع بول بوت في حق شعبه
خلال فترة حكمه حاول هذا الديكتاتور أن يجعل من كل أتباعه مزارعين. واستغلّ منصبه لإرغام الناس الذين يعيشون في المناطق الحضرية للانتقال إلى القرى النائية حيث أُجبروا على العمل في مزارع الدولة. وقام بنقل الجميع، بمن فيهم الأطفال وكبار السن والمرضى في المستشفيات. لقد عامل شعبه وكأنهم عبيد لديه.
أراد ’’بول بوت‘‘ أن يكون كل أفراد شعبه متساوين، فأوقف التعامل بالمال، وصادر الممتلكات الخاصة، وألغى الدين. بل وأجبر جميع المواطنين على ارتداء ملابس سوداء. وتعرض معارضوه للتعذيب والحرمان من حقوقهم. أما أولئك الذين اعتبرهم أعداء له، فقد قام بإعدام معظمهم بالفأس تجنباً لإهدار الرصاص.
كان هدف ’’بول بوت‘‘ هو إنشاء مجتمع شيوعي حيث تسيطر
الدولة على جميع الموارد. لقد أراد السيطرة الكاملة.
في غضون أربع سنوات، قُتل حوالي ربع السكان الكمبوديين في عهده ودُفنوا في مقابر جماعية (الإبادة الجماعية في كمبوديا). وقد تم العثور على 23745 مقبرة جماعية وقُدِّر عدد الضحايا بحوالي 1.3 مليون ضحية. عان الناجون إلى الأبد من المعاناة التي تحملوها، وترك هذا الزعيم الظالم البلاد كلها في حالة خراب اقتصادي واجتماعي وثقافي.
بعد أن أطاحت القوات الفيتنامية ببول بوت عام 1979، اختبأ هذا الأخير في الأدغال الكمبودية حتى وفاته في عام 1998. وتم تقديم العديد من مساعديه السابقين إلى العدالة، وفي عام 2011 دعمت الأمم المتحدة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قادة الخمير الحمر الذين مازالوا على قيد الحياة. تم إنشاء هذه المحكمة، المعروفة باسم محكمة الخمير الحمر، لتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن هذه جرائمهم الفظيعة.
ستظل فترة حكم بول بوت وعهد الإرهاب في كمبوديا مأساة لا تمحى في تاريخ البشرية. لقد أدت أيديولوجيته المتطرفة وسعيه إلى السلطة المطلقة إلى ارتكاب فظائع شنيعة في حق ملايين الكمبوديين. قصة بول بوت بمثابة تذكير قاتم بالعواقب الكارثية للتطرف السياسي والاستبداد. إن تذكر هذه الأحداث المأساوية أمر بالغ الأهمية لمنع حدوث فظائع مماثلة في المستقبل، ولتكريم ذكرى الضحايا الذين عانوا تحت حكمه الوحشي.