كيف حالك اليوم ؟ .. أرجوك لاتتسرع بالجواب، فعلى الرغم من البساطة التي يبدو عليها السؤال، إلا أن الجواب يحتاج إلى وقفة طويلة، نتأمل فيها ما يشير به العلم، في مثل هذا الموقف، ومع مثل هذا السؤال..
بداية دعني أسألك، ما هو الحال ؟ ..
إنه في رأيك، ورأينا جميعا، هو موقفنا الصحي والنفسي، وإحساسنا بالرضا أو السخط، ونظرتنا للحياة، وغيرها من تلك النواحي النفسية..
أما في رأي العلم، فالأمر أكثر تحديداً ودقة، إذ يقول العلماء : إن الحال هو علاقة ثلاثية، بين ثلاث دورات نفسية وعضوية، هي الدورة العقلية والدورة العاطفية والدورة الجسمانية، وأن هذه العلاقة ونتائجها، يتحددان بالتقاء أو ابتعاد مناطق تماس تلك الدورات الثلاثية بعضها بالبعض.. فما الذي يعنيه هذا ؟
للإجابة عل هذا السؤال خاض العلماء رحلة بحث طويلة، منذ بداية هذا القرن، عندما لاحظ الطبيب الألماني ’’ولهيلم فيلس‘‘، أن الأعراض الجسمانية والنفسية لمرضاه، تعاودهم بانتظام مثير للدهشة، فالأعراض الجسمانية تتكرر كل 23 يوما، في حين تتكرر الأعراض العاطفية كل عشرين يوما، وبمتابعته لهذا التكرار المثير، توصل ’’فيلس‘‘ إلى أن تلك الدورات العاطفية والجسمانية تولد مع مولد الشخص، وتسير معه بصفة منتظمة طيلة عمره..
ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، حوال السويسريون الاستفادة من أبحاث ’’فيلس‘‘، حول ما أطلق عليه اسم (الإيقاع الحيوي)، في محاولة لزيادة كفاءة العمال، وتقليل نسبة حوادث الطرق، ولحق بهم اليابانيون، عام 1956م، وبدأوا دراسة جادة، حول الايقاع الحيوي، أجروها على عدد من السائقين المتطوعين، لمعرفة ردود أفعالهم، مع دوراتهم الايقاعية المختلفة، ولكن أحداً لم ينظر الى الأمر بالجدية اللاّزمة، سواء من العلماء الغربيين، أو حتى من بعض الطوائف العلمية اليابانية ذاتها..
ثم وقعت كارثة، من أسوأ كوارث الطيران في التاريخ، عندما انفجرت طائرة (شيكاغو) المدينة، في الثامن من أكتوبر، عام 1972م، وراح ضحيتها طاقم الطائرة، ومئات من الركاب، وثبت أيامها أن قائد الطائرة كان في أسوء حالاته الحيوية، طبقا لإيقاعه الحيوي، عندما وقع الحادث.. عنذئد فقط بدأ العلماء ينظرون الى الايقاع الحيوي في جدية..
وفي عام 1973، بدأت الدراسات الجادة المكثفة، حول الايقاع الحيوي، وتأثيره في حياة الانسان وعمله، ونجاحه..
وجاءت النتائج مدهشة..
لقد أثبتت الدراسات أن هذا الايقاع الحيوي يحكم حياتنا بشكل مثير، وأننا نستطيع توجيه نجاحنا و فشلنا، في كل ما نقوم به من أعمال، طبقا لمراجعة جداول إيقاعنا الحيوي، في كل لحظة من لحظات النهار والليل، وفي كل يوم في أيام السنة..
بل لقد أثبتت أيضا أن نوع العمل يرتبط بالايقاع الحيوي ارتباطا كبيرا، فأولئك الذين يحتاج عملهم الى صفاء ذهني، وحساسية جيدة، مثل الكتّاب والأدباء، والموسيقيين وغيرهم، يبلغون أوج نشاطهم وتأججهم، مع ارتفاع الدورة العاطفية والعقلية لإيقاعهم الحيوي، أما من يحتاجون في عملهم الى النشاط الجسدي والحيوي، فينجحون تماما، مع ارتفاع الدورة الجسمانية..
حتى المجرمين، لايرتكبون جرائمهم العنيفة، إلا في تلك الأيام، التي تنخفض خلالها دوراتهم العاطفية والعقلية والجسدية.. أي عندما ينخفض إيقاعهم الحيوي تماما..
كذلك حوادث السير، لاتحدث في الغالب، كخطأ من السائق، إلا في الأيام التي تنخفض فيها إيقاعته الحيوي..
وعمل الايقاع الحيوي لايقتصر على هذا فحسب، بل هو يعمل في أعماقنا عمل ساعة منتظمة للغاية، وهو المسئول عن استيقاظنا في الموعد الذي نحتاجه بالضبط، على الرغم من عدم وجود ساعة تنبيه الى جوارنا، وعن شعورنا بالجوع في أوقات محدودة، وحتى عن حسن تعاملنا مع جيراننا وأصدقائنا وزوجاتنا..
ومن السهل أن يستفيد المرء من إيقاعه الحيوي المنتظم، وبالذات عندما يرغب في إبدال نمط حياته، أو اتباع نظام حمية خاص، أو حتى البدء في عمل جديد، فمن الأفضل في كل مرة، أن يحدث هذا، عندما تكون الدورات العاطفية والعقلية والجسدية في ذروتها، فهذا يساعد كثيراً في نجاح العمل الجديد، أونظام الحمية المحكم..
المطلوب إذن هو أن ننظر إلى الأمر بجدية، وأن نحافظ على إيقاعنا.. الحيوي.