آمن الأقدمون بتأثير الألوان على النفس. وحتى اليوم نفترض عموما أن هناك علاقة بين الألوان والدماغ. فنقول إن المتفائل يرى العالم من ’’ خلال نظارة وردية‘‘. واليوم يكتشف العلماء فعلا التأثير العميق لألوان محددة على أجسامنا ومزاجنا وأفكارنا وسلوكنا.
عرف علماء الطبيعة بغموض اللون والشكل قبل عقود. فالأسماك الاستوائية البراقة حساسة لألوان أفرادها. والحيوانات تعرف غريزيا كيف تعرض الألوان على أجسامها كاشارت اتصال مع مخلوقات أخرى. وإشارات اللون والشكل أمر مسلّم به لدى كائنات أخرى، حيث تتجاوب معها تلقائيا. وقد اكتشف العلماء أنواعا من السمك الصغير تحتمي بالأشكال ذات اللون والهيئة المشابهة لها. لكننا كمخلوقات عاقلة نفضل أن نعتبر أنفسنا أعلى من هذه التأثيرات. هل يمكن لشعار أو مزيج معين من اللون والشكل إثارة دوافع تلقائية في دماغنا وجسدنا ؟ وهل يمكن لتدفق الدم في شفتي المرأة، وهو علامة الاعجاب وارتفاع ضغط الدم، دفع الرجل الى مغازلتها ؟ ثم هل لاحظ جدودنا هذه الأشياء الدقيقة ؟ وهل يُعقل أن يكون شيوع استخدام احمر الشفاه منذ زمن الفراعنة في مصر أحدث دافعا وراثيا في عين الرجل ؟
في الواقع، هناك مؤسسات تجارية تدفع ملايين الدولارات لعلماء النفس في مقابل أبحاثهم عن الألوان والأشكال التي تحث الناس على الشراء. فليس مصادفة أن ألوان كثير من العلب على رفوف المتاجر تتدرج بين الأحمر والأصفر. ان المستهلك إذ يسير في المتجر الكبير أو السوبرماركيت يلقي نظرة سريعة على العلب التي تُعرض فيه، وعلى العلبة في هذه البرهة أن تستوقفه وتولد لديه صورة ايجابية. ويتوصل اللونان الأحمر والأصفر الى تلك النتيجة، ربما لأنهما جزءان من الطيف المرئي للشمس والنار. وهذان اللونان يجعلان العلبة تبدو أكبر قليلا من حجمها الحقيقي.
وبالنسبة لعلماء النفس فإن اللون يثير أحاسيس خاصة في الناس : فالأزرق يحمل السلام والاكتفاء، أما أولئك الذين يفضلون الأزرق القاتم فبهم حاجة الى الأمان والاستقرار. ويُستخدم الأزرق كثيرا كرمز للمصارف وصناعة السيارات. ويقول علماء النفس أن معظم الناس يجدون علاقة بين اللون الأصفر والتحديث والانجاز والمستقبل. ويستحضر الأحمر القوة والحيوية والحافز على الربح. وقد اختاره العديد من صانعي علب السجائر والمرطبات لتغليف منتوجاتهم. واللونان الأخضر والأحمر معاً يهزّان الشعور بالقوة والثقة والأمانة. ويحرك اللون الأزرق الضارب الى الخضرة احساسا بالطمأنينة والثقة بالنفس. أما الأطفال فيفضلون الألوان الأساسية البراقة التي تثير العواطف بسرعة. واما البالغون فيفضلون الألوان الخفيفة.
لقد لاحظ علماء النفس أن الألوان يمكن أن تثير العواطف لأسباب لها علاقة بالتراث. وقد يهزّ منظر العَلم شعورا بالوطنية. ولكن آتستطيع الألوان والأشكال إحداث تغييرات بيولوجية مباشرة في الجسم ؟
يبدو أن الجواب نعم، وقد أجريت تجارب على سجناء عنيفين وُضعوا في زنزانات وردية، فتبين أن للون الوردي قدرة على التهدئة وابدال العدوانية بالاستسلام. ويقول أحد الباحثين أن للغرف الوردية قدرة على احداث تغييرات بعيدة المدى في الأشخاص الذين ينظرون الى اللون. وأجرى آخر تجارب بينت أن مشاهدة اللون الوردي لفترة قصيرة كافية لاحداث ضعف ملموس في عضلات الجسم يستمر نحو 30 دقيقة. لكنه وجد أيضا المضاد لذلك، فبعد ثوان معدودة من تعريض الشخص نفسه للون الأزرق ينتفي تأثير اللون الوردي.
وفي تجارب مخبرية ربى العلماء سلالات من الفئران تحت أضواء ملونة. وقد سببت الألوان المختلفة نمواً مختلف السرعة لأعضاء هذه الفئران. كذلك أسفر قوس قزح عن اختلاف في الحركة، فالفئران التي تعيش تحت الضوء الأخضر كانت أقلها حركة، وتلك التي تحت الضوء الأحمر كانت أكثرها حركة.
وتحدث الألوان والأضواء تغيرات مدهشة في أحياء عدة. فومض واحد من الضوء الأحمر يمكنه أن يغير نمط نمو النباتات البحرية. ووجود الضوء لفترة طويلة يمكن أن يثير رغبة الطيور في التزواج، كما يرفع مستوى الهرمون لدى الفئران. واكتشف العلماء أنه يمكن التأثير في الناس بعمق بعد تعريضهم للألوان. وليس من المستغرب ما يقوله مهندسو البيوت من أن اللون الأحمر ’’ الساخن‘‘ يوهم الناس بدفء محيطهم. واظهرت دراسات سابقة أن العاملين تحت الضوء الأحمر يتفاعلون مع العالم الخارجي أسرع مما يفعل غيرهم، لكن فعاليتهم في الانتاج تكون أدنى.