العلاقات الاجتماعية تطيل العمر !

هناك أربع قواعد أساسية للعيش في صحة أفضل : الأولى هي​​ نظام غذائي سليم، غني بالخضروات وقليل السكريات (السريعة)؛ والثانية هي النشاط البدني المنتظم الذي ينشط القلب ويحافظ على كتلة العضلات، والثالثة هي حسن إدارة الاجهاد والتوتر، والحصول على نوم كافٍ ومريح. والقاعدة الرابعة هي الوقاية ضد سموم الحياة الحديثة (المبيدات الحشرية والمواد التي تحدث خلل في خلايا الجسم والأدوية السامة وما إلى ذلك..).

بالطبع، إذا تبنيت هذه القواعد الأربعة، فإنك ستقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بالامراض والتدهور الصحي المرتبط بالعمر. ولكن قد تذهب كل هذه الجهود سدى إذا أهملت القاعدة الخامسة، التي تعتبر أيضا مفتاحا مهما للصحة وطول العمر.

هذه القاعدة هي ثراء العلاقات الاجتماعية. وهذا ما أسفرت عليه نتائج دراسة هارفارد، التي بدأت في عام 1938 وما زالت مستمرة حتى اليوم.

فمنذ ما يقرب من 80 عامًا، تابع الباحثون حياة مئات الأمريكيين بتفاصيلها الدقيقة. وقد بلغ عدد المشاركين في الدراسة 724، لا يزال 60 منهم على قيد الحياة.

وفي كل عام، يُسأل هؤلاء الرجال عن كل تفاصيل نمط عيشهم. ويمكن للباحثين أيضًا الوصول إلى سجلاتهم الطبية واختبارات الدم. حيث يعرفون كل شيء تقريبًا عن حياتهم، منذ المراهقة قبل الحرب العالمية الثانية ! ما جعلهم قادرين على تحليل نمط الحياة الذي يسمح بدوام الصحة حتى عمر متقدم جداً ... والنمط الذي يؤدي إلى المرض أو الوفاة المبكرة.

وكما كان متوقعا، لاحظ الباحثون أن إدمان الكحول والتبغ ونقص النشاط البدني كان ضارا جدا بالصحة. ولكن عندما قام الباحثون بوضع اطروحة للدروس العديدة التي استخلصوها من هذه الدراسة، خلصوا الى هذه النتيجة : وهي أن العلاقات الجيدة تبقينا سعداء و أصحاء وهذا هو كل شيء.

في الواقع، كل البيانات التي جمعها فريق البحث كانت تصب جميعها في نفس الاتجاه. فالأشخاص الذين كانوا أكثر ارتباطًا اجتماعيًا بالعائلة والأصدقاء والجيران كانوا أكثر سعادة وعاشوا لفترة أطول من غيرهم. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أنه من المفيد وجود دائرة أوسع من العلاقات الاجتماعية.

لكن تعدد العلاقات ليس كل شيء. حيث وجد الباحثون أيضًا أن وجود شخص قريب أو أكثر يمكننا الاعتماد عليه في حياتنا هو أمر أساسي أيضًا. في الواقع، يمكن الشعور بالوحدة والعزلة العاطفية في وسط حشد من الناس ... وحتى بين الزوجين. ففي دراسة هارفارد، على سبيل المثال، كان للزواج شديد الاضطراب عواقب وخيمة على الصحة النفسية وطول عمر الزوجين.

ولكن، من الواضح أن الزيجات المستقرة تعد من بين أفضل الوسائل للعيش بصحة جيدة. فكلما كانت العلاقة التي توحد الزوجين قوية، كلما قلت الاصابة بالأمراض المزمنة أو الأمراض النفسية أو التدهور العقلي. وهذا لا يعني أن العلاقة الزوجية الناجحة لاتخلو من المشاكل. ولكن طالما يشعر الزوجان أنهما يمكنهما الاعتماد على بعضهما البعض في الضراء، فلن تؤثر الاهتزازات التي تحدث بين الفينة والاخرى في علاقتهما.

العزلة القاتلة

العزلة تؤثر بشكل مباشر (سلبيا) على خلايا الجسم. فالتعرض لصعوبة عاطفية له نفس التأثير على الجسم تماما مثل تأثير الإجهاد المزمن، حيث يرتفع ضغط الدم، وتصبح الهرمونات في حالة استنفار، وترتفع ضربات القلب.. وكل الأشياء التي تستنزف طاقة الخلايا وتجعل الجسم أكثر عرضة للاصابة بالأمراض المزمنة.

وعلى العكس تماما، عندما يكون المرء محاطا بأناسٍ يحبونه ويشعرونه بذلك، ينعكس ذلك ايجابا على وظائفه الفسيولوجية وصحته. فمجرد معانقة شخص ما يحفز الجسم على افراز هرمونات الأوكسيتوسين والفاسوبريسين التي تقلل من الإجهاد والألم وتعزز شفاء الجسم.

وبعض الباحثين يعتقدون أن التواصل الاجتماعي له تأثير مباشر على الجينات، ولا سيما تلك التي تنظم نظام المناعة وتحارب السرطان.

النبذ الاجتماعي مثل الألم الجسدي !

الألم الجسدي والنبذ أو التجاهل الاجتماعي يؤلمان بنفس الطريقة، في الواقع، أظهر العلماء في جامعة (ميشيغان) أن الدماغ يتفاعل مع الشعور بالرفض بنفس الطريقة التي يتفاعل بها عند الشعور بالألم الجسدي. وأظهرت الدراسة أن نفس مناطق الدماغ التي تنشط استجابة للتجارب الحسية المؤلمة تنشط أيضًا في حالة الرفض أو النبذ الاجتماعي.

عندما يعاني الجسم من ألم جسدي، يقوم الدماغ بإفراز مواد كميائية أفيونية، تعمل كمسكن طبيعي للألم، بين الخلايا العصبية لتخفيف إشارات الألم، وعندما يكون هناك نبذ أو رفض اجتماعي، يستجيب الدماغ بنفس الطريقة عن طريق إطلاق نفس المواد الأفيونية لتقليل هذا الشعور بالإقصاء.