خلال كل عملية انقسام يتم عمل نسخة زائدة من
الجينات في الخلية بحيث تحصل كل خلية جديدة على نسخة خاصة بها. فعندما تنقسم الخلية الملقحة إلى بلايين الخلايا الجديدة يتم عمل بلايين النسخ من الجينات
لتوزيعها على تلك الخلايا وفى خلال هذه الانقسامات تحدث بعض الأخطاء الصغيرة في نسخ بعض المعلومات على جين ما، فيكون جينا معطوبا مما قد يتسبب في
إنتاج بروتينات غير سليمة مثلما يحدث عندما تركب بالخطأ رقم التليفون فلا تحصل على الاتصال الصحيح.
فى معظم الأحيان لا تتسبب الأخطاء التي تحدث في
جين في خلية ما في أي مشكلة، لأن
هناك العديد من الخلايا الأخرى التي تنتج البروتين السليم. فضلا عن أن الخلية التي تحتوي على الجين غير السليم تموت بعد ذلك، وبهذا فإنها لا تنقله إلى
ذريتها. ولكن المشكلة الحقيقية تبدأ عندما تحدث أخطاء في أحد الجينات التي تنظم
عملية الانقسام.
إذ قد تصاب الخلية بالجنون فتنقسم بسرعة وبلا
توقف مما يؤدى إلى تكوين كتلة من الخلايا
لتعطى ما نسميه بالورم. أما المشكلة العظمى
فتحدث عندما تحتوي خلية البويضة أو
خلية الحيوان المنوي على جين غير سليم. ففي هذه الحالة سوف ينتقل هذا الجين إلى
جميع الخلايا المكونة لجسم الجنين الذي ينمو.
أذكركم بأن كل خلية في الجسم تحتوي على نسختين
من كل جين. نسخة جاءت من
خلية الأم ونسخة من خلية الأب. وأسوأ ما يمكن أن يحدث هو أن
تكون هناك أخطاء في نسختي الجين. فإذا لم يحصل الجنين على جين سليم لإنتاج البروتين الصحيح، فقد يبتلى
الطفل بمرض وراثي مثل مرض سيولة الدم.
وقد يصاب الطفل بمرض وراثي لا يوجد عند أبويه.
وذلك عندما يكون لكل من الوالدين نسخة غير سليمة من جين ما وأخرى سليمة، بحيث تنتقل
النسخة غير
السليمة من كل من الأم والأب إلى الجنين. ومعظم الآباء عادة لا يعرفون أن لديهم
جينا معطوبا لأن الجين الآخر السليم يقوم بواجبه.
هل يؤدى كل جين معطوب إلى حدوث المرض؟
تحتوي الجينات على وصفات ومعلومات لإنتاج
البروتينات التي تحتاج الخلية إليها لتؤدي
وظائفها. فالبروتينات هي التي تعمل وتتحرك وتتفنن من أجل
تكوين كائن حي كبير ومعقد التركيب مثلكم ومثلى... أي هي التي تجعلنا أحياء.
هل من الممكن إصلاح الأخطاء في الجين؟
ولماذا إذن لا نعطى الخلايا نسخا سليمة من الجين؟
والحل الأمثل هو حقن جميع خلايا الجسم. ولكنه
من غير الممكن حقن كل خلية في
الجسم على حدة فهناك البلايين منها. ويبحث العلماء عن
وسيلة يمكنها اختراق جميع خلايا الجسم لتضع الجين السليم
في كل واحدة منها حتى يتم إنتاج البروتين المطلوب بكمية كافية. ويعتقد
العلماء أنه من الممكن إيجاد
وسيلة لعمل ذلك.
ولهذا لجأ علماء الهندسة
الوراثية إلى حيلة ممتازة. فلقد استطاعوا الحصول
على الجين المطلوب سليما من جسم إنسان سليم ثم
وضعوه في خلية غير بشرية مع السماح لها بأن
تنقسم مرات عديدة لتولد خلايا عديدة. وبما أن كل هذه الخلايا تحتوي على
الجين البشرى فإن كل واحدة منها تستطيع أن تقرأ الجين وتصنع البروتين المناظر له.
وبهذا فإن كل هذه الخلايا تستخدم
كمصانع لإنتاج البروتين المطلوب بكميات كبيرة
جدا تسمح بإعطائها للمرضى بلا خوف من مخاطر
نقل الدم من جسم إلى جسم آخر.
إنها فكرة مدهشة حقا، كما أن العلماء قد نجحوا في تطبيقها. وهذه هي الطريقة التي يستخدمها الخبراء لتغيير جينات النباتات والحيوانات والبكتريا حتى تنتج البروتينيات البشرية الضرورية لعلاج الأمراض.
كما رأينا. فإن خلايا الحيوانات والنباتات والبكتريا التي تم تعديلها في المعمل من الممكن أن تُستخدم لإنتاج بروتينات لا تنتجها أجسام بعض المرضى. ومع ان مثل هذا العلاج لا يشفى المريض إلا أنه يساعده على أن يعيش حياة أفضل. ولكي يتم شفاء المرضى فإننا نحتاج إلى وسيلة لها القدرة على أن تتنقل بين خلايا الجسم وتنقل لكل واحدة منها صورة من الجين السليم بدلا من الجين غير السليم. وتعتبر الفيروسات الوسيلة المثالية لهذا العمل.
ولكن الفيروسات تسبب لنا الأمراض، أليس كذلك؟
كيف يتم ترويض الفيروس؟
فبعد أن يتم تكوين الفيروس المعدل غير الضار
يضاف إليه الجين البشرى
المطلوب. ثم يتم إدخال هذا الفيروس المعدل إلى بعض الخلايا التي تنمو في المعمل خارج الجسم حتى يتم إنتاج كميات كبيرة من هذا الفيروس. فيحصل العلماء على هذه الفيروسات ويحقنونها في المرضى. وبعد أن تغزو
هذه الفيروسات خلايا الجسم فإنها لا
تجبر الخلايا على إنتاج فيروسات جديدة (لأنها معدلة) بل تنقل لها نسخة من الجين
السليم.
وإذا سارت الأمور حسب الخطة فإن الخلايا المصابة بالفيروس تبدأ في إنتاج البروتين السليم وبالطبع يشعر المريض بالتحسن ويشفى.
هل تم علاج الأمراض بهذا الأسلوب؟
هل سوف ينجب المرضى المعالجون بالفيروس أولادا أصحاء؟
مع مرور السنين ثبت أن تطوير العلاجات الجينية مهمة شاقة، حيث لم تنجح العديد من التجارب السريرية للعلاج الجيني في تحسين الحالة السريرية للمرضى إلا في حالات نادرة جدًا وفقط لفترة وجيزة وبقدر ضئيل. ومع ذلك، بين عامي 2015 و 2020، أثبت عدد صغير من التجارب السريرية ما يكفي من الفعالية لحصول هذه التقنية العلاجية على ترخيص للتسويق، في الولايات المتحدة و في أوروبا.