لقد بدأ العلم حديثا يفهم أن البكتيريا يمكن أن تكون حليفة للبشر، وما يجعلنا نمرض هي الاختلالات التي تطرأ في البيئة البكتيرية !
فعلى سبيل المثال بكتيريا (هيليكوباكتر بيلوري) التي تم شيطنتها منذ اكتشاف تورطها في قرحة المعدة. فقد بدأ الباحثون يدركون أن هذه البكتيريا ليست سيئة في حد ذاتها. فعلى العكس من ذلك، فقد وُجد أن هذه البكتيريا لها أيضا آثار إيجابية على الصحة، بالأخص ضد السمنة والالتهابات المزمنة.
وقد أُصيب الباحثون بالدهشة، عندما اكتشفوا أن جينات هذه البكتيريا تُحسن عمل الأمعاء ويمكن أن تقي من الأمراض الالتهابية !
في الواقع، لطالما عاشت بكتيريا (هيليكوباكتر بيلوري) مع البشر، منذ 50000 عاما على الأقل. لذلك ليس من المستغرب أننا تَعلمنا العيش في وئام معها كما هو الحال مع معظم الميكروبات التي تحيط بنا !
وقد بدأنا ندرك أنه يجب ألا نتعامل مع هذه الكائنات المجهرية كأعداء. فعلى سبيل المثال، نحن نعلم الآن أن "الصابون المضاد للبكتيريا" يشكل كارثة بالنسبة للبشرة، فهذه الأخيرة في حاجة إلى البكتيريا الجيدة لتبقى في صحة جيدة. فالنظافة المبالغ فيها في عصرنا أسفرت عن مشاكل صحية عويصة كما هو الحال مع الارتفاع المهول في الاصابة بالربو والحساسية.. فقد أظهرت دراسة في (كيبيك-كندا) أن الأُسَر التي تغسل الصحون دون استعمال مواد التنظيف الكيماوية كان أطفالها أقل تأثراً بالإكزيما أو الربو التحسسي.
لقد حان الوقت لنفهم أنه ليست الفيروسات والبكتيريا هي التي تجعلنا نمرض. بل هي الاختلالات في أجسامنا وبيئتنا هي التي تسمح للميكروبات بأن تصبح (مسببات الأمراض).
الفيروسات تساعد الجهاز المناعي !
وما يسري على البكتيريا يسري أيضا على الفيروسات. فهل تصدقون أنه تم اكتشاف، حديثا، أن بعض الفيروسات تحمينا ضد الالتهابات البكتيرية ! لقد تم اكتشاف أن المخاط مليء بالفيروسات (القاتلة للجراثيم)، التي تدعم استجابتنا المناعية ضد بكتيريا معينة.
لذا فإن هذه الفيروسات هي جزء لايتجزأ من الجهاز المناعي.
في الواقع، هناك (تناغم) بين الفيروسات والبكتيريا وبين البشر، لكن هذا التعايش معقد للغاية، وقد بدأ العلم، للتو، في اكتشافه !
مشكلة الطب الحديث
بدلاً من الحفاظ على هذه التوازنات واحترامها، حاول الطب الحديث فقط تدميرها. فبعد الحرب العالمية الثانية، اعتقد الانسان أنه أصبح لا يُقهر بمعارفه الكيميائية وتقدمه التكنولوجي ! والنتيجة هي أننا ندفع ثمن الاختلالات التي تسببنا فيها للطبيعة.
صحيح أن اكتشاف المضادات الحيوية خلق ثورة في الطب. لكننا أسأنا استخدامها.. حتى أدركنا أن البكتيريا أصبحت مقاومة للمضادات الحيوية. تماما كما وقع مع مبيدات الأعشاب، التي أسفرت عن نشوء نوع من الأعشاب المقاومة، كما هو الحال في أمريكا الجنوبية. أو مبيدات الفطريات (المضادة للفطريات)، التي استُخدمت بجرعات عالية منذ السبعينيات والتي انتهى بها الأمر إلى إنتاج فطريات عدوانية للغاية، والتي يمكن ان تتسبب لنا في المرض (فهي تتكاتر في عفن المنازل).
وكذلك الأمر مع اللقاحات. فبسب كثرة استخدامها، دفعت بالجراثيم الى التحول والمقاومة. كما هو الحال مع عدوى السعال الديكي : فالتطعيم الكلاسيكي ضد بكتيريا (B. Pertussis) مهد الطريق لسلالة بكتيرية أخرى، (B. Parapertussis)، والتي تسبب أيضًا عدوى السعال الديكي.
وفي كل مرة، تكون ردة فعل العلماء انتاج مضادات حيوية جديدة، ومبيدات حشرية جديدة، ولقاحات جديدة.. لكن كل هذا يخلق اختلالات في أماكن أخرى، لا يمكن التنبؤ بآثارها ويمكن أن ينتهي بنا الأمر بدفع الثمن غاليا. والدليل على هذا هو فيروس كورونا الجديد : حيث أظهرت دراسة حديثة أن بعض فيروسات كورونا التي تسبب عدوى الشتاء المألوفة (نزلات البرد) يمكن أن تعطي حصانة ضد فيروس (كوفيد-19).
وهذا ما يمكن أن يفسر لماذا بعض الناس محميين تمامًا ضد مضاعفات هذا الفيروس الجديد. وإذا ما تم تأكيد ذلك، فهذا يعني أن الانتشار الطبيعي لفيروسات كورونا الحميدة له منافع حقيقية، ومحاولة القضاء عليها هو تهور لا تحمد عقباه !
إن الطامة الكبرى في الطب الحديث هي أننا نستهدف التأثير، وليس السبب ... ونفاقم المشكلة بدلا من اصلاحها ! تعاني من آلام في المعدة ؟ تناول (مضادات الحموضة !). صحيح أن الحموضة تسبب الحرقة عندما يكون هناك ارتجاع، لكن ذلك لا يحدث أبدًا بسبب الوسط الحمضي للمعدة.
هل انت مكتئب ؟ تناول مضادات الاكتئاب ! متجاهلين أن الاكتئاب مرض معقد للغاية ولا علاقة له بمشكلة (نقص جزيء كميائي ) في الدماغ. لذلك، فمن السخافة تمامًا ادعاء علاج مشكلة الاكتئاب باستخدام حبة دواء واحدة (حتى ولو طبيعية !).. وليس من المستغرب أن تُظهر أحدث الدراسات عدم الفعالية الكاملة لمضادات الاكتئاب.
هل لديك حمى؟ خذ الأدوية المضادة للالتهابات ! فمن الواضح أن هذا هو أسوأ شيء يمكن أن تفعله، لأن الحمى، كما تعلم، هي استجابة طبيعية للجسم.
بالطبع، على المدى القصير، وفي حالات الطوارئ، بعض هذه الأدوية (المضادات) مفيدة. كما هو الحال مع المضادات الحيوية التي يمكن أن تنقذ الأرواح عند استخدامها بشكل معقول. ومضادات الفيروسات، بالطبع، يمكن ان تكون مفيدة جدًا في بداية الإصابة. وحتى مضادات الحموضة يمكن أن تكون مفيدة لمدة 3 أو 4 أسابيع كحد أقصى، حيث تسمح لبطانة المريء بالتعافي... وبالطبع، يمكن للأدوية المضادة للالتهابات تخفيف الألم المؤلم من وقت لآخر. ولكن ما يجب تذكره هو أن هذه المضادات كلها مجرد مسكنات، في حالة الطوارئ، وليست ادوية تعالج المشكلة في جوهرها.