على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته العلوم الطبية في العقود الأخيرة، لا يزال السرطان يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الطب الحديث. السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يتمكن الطب بعد من القضاء على هذا المرض الفتاك بشكل نهائي؟ للإجابة على هذا السؤال، يتعين علينا استكشاف الطبيعة المعقدة للسرطان، والتي تتسم بتنوعها وتعقيدها. فالسرطان ليس مرضًا واحدًا، بل مجموعة من الأمراض التي تتطور بطرق متعددة، مما يجعل من الصعب توحيد العلاج الفعال. علاوة على ذلك، تعتمد فعالية العلاج على الخصائص الفردية للمرض والاختلافات بين الأفراد، مما يزيد من تعقيد جهود البحث والعلاج. في هذا المقال، سنلقي الضوء على العوامل العلمية والطبية التي تساهم في استمرار تحدي السرطان، وكيفية تأثيرها على قدرة الطب على التوصل إلى علاج شامل وفعال.
كيف يظهر السرطان ؟
إن السرطان هو عملية طبيعية في الحياة. أو بمعنى آخر، هوعدم القدرة على الحفاظ على حمض نووي ثابت. في الواقع، تتضاعف تركيبات الحمض النووي والبروتين لدينا بوثيرة مهولة، أسرع مما يمكن أن تتصوروه ! حيث إن أجزاء معينة من جسم الإنسان يتم استبدالها كل بضع سنوات. خلايا جلد جديدة وشعر جديد وعضلات جديدة وكبد جديد لاستبدال السابق الذي دمره الكحول على سبيل المثال.. يتم نسخ مليارات الخلايا لتجديد الأنسجة التالفة. وتتكاثر بلايين الخلايا لجعلنا ننموا ونصل سن البلوغ وما بعده.
في الحقيقة، عند كل عملية انقسام وتكاثر، هناك فرصة ضئيلة، إلى أبعد الحدود، لحدوث خطأ في العملية. حيث تحتوي الخلية البشرية على 3.4 مليار نيوكليوتيد، و2٪ فقط منها ضروري ليعمل البروتين. وهذا يجعل الاخطاء الصغيرة الحميدة لا يكون لها أي تأثير.
ومع ذلك، فإن بعض الجينات المحددة في هذه الـ 2 ٪ تكون حاسمة في نمو وموت الخلايا. فالتعليمات (انمو كل 5 أيام؛ ومُت بعد 5 أيام) عندما تصبح (انمو كل 5 أيام؛ ومُت كل 15 يومًا)، نسمي هذا (السرطان). وبالمثل، يمكن أن تصبح أيضا (انمو كل يومين؛ ومُت كل 5 أيام)، أي أن هناك خلل في المعادلة السليمة للنسخ.
فمع نمو الخلايا أكثر من موتها، تزداد الحاجة إلى الموارد؛ فتقوم هذه الخلايا السرطانية بسرقة المغذيات الأساسية من الأعضاء الحيوية الأخرى.
في الواقع لا يزال العلم يحاول فهم آلية تكون هذه السرطانات. فمن المهم معرفة كيفية عملها وكيفية التحكم فيها والتأكد من عدم التسبب في المزيد من عدم التوازن في معادلة النسخ.
واليوم، في طليعة أبحاث السرطان، تركز البحوث على مليارات (التباديل) التي يمكن أن تحدث. فبعض أنواع السرطانات تحمل تعليمات من نوع (انمو كل ثانيتين؛ ولا تمت أبدًا). وبعضها تعليمات من نوع (انمو كل 5 أيام؛ ولا تمت أبدًا). والبعض الآخر (انمو 16 مرة كل ثانية، ومُت كل 5 أيام). حيث يتطلب كل منها تعاملا مختلفًا أو علاجًا أو طريقة رعاية معينة.
لقد قدم العلم بالفعل بعض الحلول : كالاستئصال، الحرق بالإشعاع، التجميد حتى الموت، الاستهداف بالمواد الكيميائية، طلب المساعدة من الجهاز المناعي، الزراعة. ويعمل العلم على طرق أخرى : التشخيص المبكر، استئصالها بدقة أكبر، حرقها فقط بالإشعاع، استخدام مواد كيميائية أكثر استهدافًا، تهكير واعادة برمجة جهاز المناعة لإطاعة الأوامر التي نصدر له، استزراع بدائل الأعضاء التالفة على الفئران.
ومع ذلك، يتضح أن القضاء على السرطان ليس مسألة بسيطة، بل هو تحدٍ معقد يواجه الطب بسبب طبيعة المرض المتعددة والمتغيرة. على الرغم من التقدم الكبير في الأبحاث والعلاجات، يبقى السرطان مرضًا يصعب التنبؤ به وعلاجه بالكامل، نتيجة لتنوعه وتفرده من مريض إلى آخر. إن استمرارية الجهود البحثية وتطور التكنولوجيا الطبية تعدان أساسيتين في تحسين العلاجات وتقديم أمل جديد للمرضى. يتطلب الأمر مزيجًا من الابتكار والتعاون بين العلماء والأطباء للاقتراب من هدف القضاء على السرطان، مع الحفاظ على الأمل في أن المستقبل سيحمل حلولًا أكثر فاعلية تساهم في التغلب على هذا المرض الذي عانى منه العديدون.
5 نصائح غذائية لتعزيز مناعتك ضد السرطان
لفترة طويلة، كان علاج السرطان يتجلى في استئصال الخلايا السرطانية. لكن، نحن نعلم الآن أن هذا غير كاف وأن بعض العلاجات الحالية الأكثر فعالية تهدف إلى تنشيط المناعة. وهذه هي النقطة التي تلعب فيها التغذية دورا مهما للغاية.
ما هي العلاقة بين التغذية والسرطان ؟
يلعب النظام الغذائي دورًا رئيسيًا في تجنب الإصابة بالمرض ودعم العلاج بشكل أفضل ومنع عودة ظهور المرض. ومن هنا يأتي اهتمام المرضى باتباع برنامج دعم علاجي شخصي.
مع هذا الدعم العلاجي الفردي، فإن الهدف هو تعديل نمط العيش، وخاصة الغذائي. لأن نمط العيش السيء، من خلال تعزيزه العوامل المحفزة للخلايا السرطانية، يعزز من ظهور السرطان.
هل يمكن من خلال الطعام مواجهة هذا المرض ؟
نحن نعلم أن النظام الغذائي الالتهابي هو محفز مباشر للسرطان، وأنه يحفز تكوين الأوعية ويقلل من عمل الجهاز المناعي. أما بالنسبة للسكر الزائد، فهو يزيد من إنتاج الأنسولين، وهذا الهرمون عامل نمو للعديد من أنواع السرطانات، ويزيد من الإجهاد الكربونيلي (carbonyl stress) الذي لديه تأثير مشابه للإجهاد التأكسدي ويغير المناعة المضادة للسرطان.
ومن خلال تفادي الأطعمة التي تسبب هذه الإلتهابات، فإننا نحد من كل هذه الأسباب المعززة للمرض.
ما هي الأطعمة التي تعزز ظهور السرطان ؟
بالإضافة إلى الكحول، هناك اللحوم الحمراء بكل أنواعها. فمنذ عام 2015، تم الاعتراف بأن استهلاك اللحوم الحمراء كل يوم وبإفراط ضار للغاية، خصوصا في حالة سرطان القولون. في الوقع، العلماء لا يوجهون اللوم الى اللحوم في حد ذاتها، ولكن الى الإنتاج الصناعي والاستزراع المكثف للحيوانات المُجهَدة، التي تتغذى بالمضادات الحيوية والملوثات، وكذلك (النتريت)، الذي يستخدم لحفظ هذه اللحوم.
هل يُنصح بالطعام العضوي ؟
سلطت الدراسات الضوء على وجود علاقة وطيدة بين الاستهلاك العالي للأطعمة من الزراعة العضوية وتقليل خطر الإصابة بالسرطان. لذلك، فإن الشيء المهم هو أن تتبنى نظام غذائي متوازن وموسمي، وأن تناول الطعام بالقدر المناسب، وإذا أمكن، ممارسة صيام الثلاثة عشر ساعة في الليل بشكل منتظم قدر الإمكان. لأن هذا الصيام يعزز تنظيم مستويات السكر في الدم، ويقلل من الهرمونات الابتنائية مثل الأنسولين، ويحسن إيقاع الساعة البيولوجية للكورتيزول (هرمون التوتر)، وكذلك الميلاتونين، الذي له تأثير مضاد للسرطان بسبب خصائصه المضادة للأكسدة والمنشطة للمناعة. كما يعمل هذا الصوم على إراحة الغشاء المخاطي في الجهاز الهضمي، مما يقلل من التهاب الأمعاء ونفاذيتها.
اختبار الجينوم الغذائي ؟
تتجلى هذه الاختبارات، التي تتم بوصفة طبية، في قراءة الحمض النووي عن طريق جمع اللعاب. توفر هذه الإختبارات إمكانية معرفة نقاط القوة والضعف الأيضية لدى المرضى، على سبيل المثال الحساسية للكربوهيدرات، والدهون، والالتهابات، والإجهاد التأكسدي، والكحول، ولكن أيضًا لمعرفة كيفية حرق السعرات الحرارية، إلخ. هذه التقنيات يمكن أن تجعل من الممكن في نهاية المطاف تطوير الوقاية الغذائية الشخصية.