بفضل عملية تسلسل الجينوم، أدرك الباحثون أن جسم الانسان يمتلك مستقبلات الحاسة الشمية في كل مكان تقريبا : على الجلد و الكبد و البروستاتا و حتى الأمعاء ! لقد شكل هذا الاكتشاف مفاجأة كبيرة للعلماء. ولكن هذه المستقبلات الشمية التي نجدها في كل أنحاء الجسم تلعب دورًا مختلفًا تمامًا !
لنبدأ بالأمعاء، (ملك الاعضاء بامتياز) فمنذ ما يقرب عن 10 أعوام أدرك العلماء أنه يحتوي على مستقبلات حاسة الشم. وتبين فيما بعد أن هذه المستقبلات تعدل إنتاج
السيروتونين في الأمعاء. لماذا يعد هذا الاكتشاف مهما ؟ لأن العديد من المشاكل
الصحية مرتبطة أساسا بمشكلة السيروتونين في الأمعاء التي ينتج عنها العديد من المشاكل : الإسهال، الإمساك، الغثيان، القولون
العصبي... وحتى الرتج وسرطان القولون!
لقد تساءل العلماء إذا ما كان كافيا تفعيل هذه المستقبلات الشمية
للتغلب على هذه المشاكل؟ وهذا بالضبط ما حاولوا القيام به، بواسطة جزيئات الثيمول (الزعتر)، والأوجينول (القرنفل) والبرجونية (زنبق الوادي). والنتيجة تجاوزت توقعاتهم: فبفضل هذه الروائح،
لاحظوا ارتفاع إنتاج السيروتونين في الأمعاء 10 أضعاف ! وهذا يؤكد على الأقل اهمية إضافة هذه البهارات
والأعشاب إلى وجبات الطعام !
لكن ما اكتشفه العلماء مؤخرًا عن الجلد زاد من دهشتهم ! ففي عام 2014، سعى فريق من الباحثين الألمان إلى
تنشيط مستقبلات حاسة الشم الموجودة أيضا على مستوى الجلد. فاستخدموا، لهذا الغرض، رائحة مستخرجة من خشب الصندل،(زيت خشب الصندل الأساسي هو واحد من أكثر الزيوت
استخدامًا في العالم، ليس فقط لرائحته الآسرة أو قوته المضادة للفيروسات، ولكن أيضًا
لعلاج مشاكل الجلد!). وعندما وضع العلماء مستخلصهم من خشب
الصندل على خلايا الجلد، لاحظوا ظاهرة مدهشة : لقد تم تنشيط قوى الشفاء الذاتي للجلد
على الفور! حيث لاحظوا زيادة في تكاثر الخلايا بنسبة 32٪
وهجرة أسرع لخلايا الجلد بنسبة 50٪ تقريبًا ... وهما ظاهرتان تسرعان من شفاء الجروح !
لكن ما هو ثوري حقًا هو أن هذه المستقبلات يمكن
أن تكون أيضًا مفتاحًا لهزيمة أمراض السرطان! ففي عام 2015، قام فريق من الباحثين، بقيادة البروفيسور(هانس
هات) بتطبيق (السترونيلال) على خلايا سرطان الكبد. و(السترونيلال) هو جزيء عطري ينتمي إلى عائلة (التربينات) ويتواجد بكثرة في زيت الليمون الأساسي.
لقد زاد (السترونيلال) بسرعة كبيرة من تركيز
الكالسيوم في الخلايا السرطانية، وذلك بفضل مستقبل OR1A2 الشمي. وهل تعرفون ماذا يحدث عندما تتلقى الخلية
السرطانية تدفقا هائلا من الكالسيوم؟ تتوقف عن التكاثر وتقتل نفسها وهذا ما يسمى بموت الخلايا المبرمج (apoptosis) ! وهذا بالضبط ما لاحظه الباحثون : لقد أجبر(السترونيلال) العديد من الخلايا السرطانية على التوقف عن النمو والانتحار.
وكخلاصة، فالزيوت الأساسية تتكون بالأساس من (جزيئات
عطرية) قوية قادرة على تنشيط مستقبلات حاسة الشم في كل مكان في الجسم. وهذا تأثير لا يوفره أي دواء أو حتى علاج آخر طبيعي!