إن الوسط الحمضي للمعدة له وظيفة، وفائدة حيوية. ففي المقام الأول هذه الحموضة ضرورية لعملية الهضم. حيث إن حمض المعدة ضروري لامتصاص الفيتامينات والمعادن من الطعام. فإذا تم منع هذه الحموضة بواسطة الادوية، يصبح المرء معرضا لخطر الإصابة بنقص حاد في العناصر الغذائية الأساسية. فعلى سبيل المثال، يتعذر امتصاص فيتامين (ب 12) بشكل كاف عندما تصبح المعدة أقل حموضة ! ونقص فيتامين (ب 12) في الجسم مرتبط بزيادة خطر الإصابة بالخرف والزهايمر، لأنه فيتامين مهم جدا لصحة الدماغ.
كما تقلل مضادات الحموضة أيضا من امتصاص فيتامين (ب 9). ومن المعروف أن نقص كل من فيتامين (ب 9) و(ب12 ) يزيد من مستوى الهوموسيستين، وهو أحد المؤشرات الرئيسية لأمراض القلب !
والشيء نفسه ينطبق على خطر التعرض للكسور، والذي يزداد
لأن مضادات الحموضة تمنع امتصاص الكالسيوم، ونفس الشيء
بالنسبة لفيتامين (س) والحديد والزنك والمغنيسيوم وكل العناصر الغذائية المهمة التي تدخل في مئات
العمليات البيلوجية التي تساهم في بقاء الجسم في صحة جيدة.
حموضة المعدة والبكتيريا
إن دور حمض المعدة لايقتصر فقط على عملية الهضم، بل إنه يشكل حصنا رئيسيا ضد البكتيريا الضارة ! لأن معظم البكتيريا لاتستطيع العيش في بيئة عالية الحموضة. لهذا السبب يعتبر الوسط الحمضي للمعدة خط الدفاع الأول في مناعة الجسم ضد الغزاة :
فالوسط الحمضي للمعدة يمنع البكتيريا التي نتناولها في الطعام من الوصول إلى الأمعاء. كما يمنع البكتيريا الموجودة في الامعاء من الصعود إلى المريء. وبالتالي فإن خفض حموضة المعدة بالادوية، يجعل المرء أكثر
عرضة للإصابة بالعدوى البكتيرية.
والأخطر من ذلك، أن انخفاض الحموضة في المعدة يمكن أن
يسبب نموًا بكتيريًا في الأمعاء. وذلك بمرور الطعام الغير المهضوم إلى الأمعاء، مما يتسبب في الانتفاخ
والغازات، مما يؤدي الى التخمر واختلال التوازن في الفلورا المعوية (البكتيريا النافعة في الأمعاء). والجميع يعرف أن هذه الاخيرة بالغة الأهمية للبقاء بصحة جيدة. فأي اختلال بسيط في الفلورا المعوية يفتح الباب لمجموعة من الامراض من قبيل السمنة والسكري ومرض التهاب الأمعاء (كرون) وحتى بعض أنواع السرطانات. بل هناك باحثون ربطوا بين أمراض مثل التوحد
أو الزهايمر أو الاكتئاب باختلال في الفلورا المعوية !
في الواقع لا يزال لدينا الكثير لنتعلمه عن هذا العضو المدهش (الامعاء) لكننا بثنا نعرف ما يكفي للحذر من الأدوية التي تضر
به.
مشاكل الحموضة
في الواقع، مشاكل حموضة المعدة تحدث فقط في حالات معينة !
- عندما تتلف البطانة الواقية للمعدة : فنتحدث هنا عن التهاب المعدة إذا كانت البطانة متهيجة، وعن القرحة في حالة حدوث جرح خطير.
- عندما يرتجع حمض المعدة ويسبب في حروق لأنسجة المريء
: وهذا ما يعرف بالارتجاع المعِدي الشائع كثيرا بين الناس.
في الواقع، في كلتا الحالتين، يجب أن نفهم أن المشكلة ليست بسبب البيئة الحمضية للمعدة. فإذا كانت بطانة المعدة سليمة، فلن يصاب المرء أبدًا
بالتهاب في المعدة، حتى لو كان يتناول أطعمة حمضية.
لذا فإن الاسباب الحقيقية لالتهاب المعدة هي في مكان آخر. ويتفق الأطباء على تناول الأدوية المضادة للالتهابات غير
الستيرويدية، مثل
الأيبوبروفين أو الأسبرين، والافراط في الكحول، بالإضافة إلى بكتيريا (هيليكوبكتير بيلوري) هي من الاسباب الرئيسية للاصابة بالتهاب وقرحة المعدة.
أما بالنسبة للارتجاع المعدي المريئي، فالأمر واضح تماما، لأن المشكلة هي أن جزءًا من السائل
الحمضي المَعِدي يرتجع حيث لا يُفترض أن يذهب، إلى المريء. وبالطبع، فما يسبب الحرقة هو الحمض عند ملامسته الغشاء المخاطي المتهيج، أو عند الاتصال بالمريء. ولهذا السبب يصف الطبيب مضادات الحموضة، لأنها فعالة
للغاية في تخفيف الألم، ويمكن أن تكون مفيدة مؤقتًا بتخفيف الضرر على الأنسجة التالفة والسماح لها بالتعافي.
لكن تقليل الحموضة المَعِدية لن يكون كافيًا أبدًا
لحل المشكلة برمتها، سواء كان الأمر يتعلق بالتهاب في الغشاء المخاطي أو
ارتجاع المريء. فهذه الادوية مساوءها أكبر من نفعها !