لطالما اعتقد الناس أن الرجال متفوقون على
النساء. فهل يؤيد العلم هذا الرأي؟ في الواقع بدأ العلم يدرك الأسباب التي تجعل
مظاهر القوة والضعف مترافقة لدى الجنسين. ومن هذه المظاهر أن نظام المناعة لدى
المرأة أقوى منه لدى الرجل، لكنه عرضة للانقلاب ضد الجسم الموكل بحمايته. وفي
المقابل نجد الرجل متفوقا في الحساب، لكنه أكثر عرضة للاختلال العقلي والانحراف
الجنسي. اما النساء فهن أكثر تفوقا في مجال العلاقات، لكنهن يقعن بسهولة ضحايا
الوساوس والأحزان. إن التفسير التام لهذه الظواهر لايزال هدفا للعلماء. لكن تمة
أمور مهمة تم كشفها، تبين بعض مواطن الضعف والقوة لدى كل من الجنسين.
أمراض القلب
إن غالبية أولائك الذين يصابون بالنوبات
القلبية هم في صفوف الرجال. قد يقول قائل إنه العمل الذي يقوم به الرجل والإجهاد
الذي يتعرض له. في الواقع هذه الحجة غير صحيحة لأسباب ثلاثة. فالنساء العاملات،
أولا، أفضل صحة من غير العاملات. وهناك، ثانيا، الهرمون الأنثوي وهو الأستروجين
والذي يبدو انه يحمي المرأة ضد أكثر أمراض القلب شيوعا. كما يبدو، ثالثا، أن
النساء يقاومن الإجهاد، كيمائيا وسلوكيا، على نحو مختلف عن الرجال.
ويبدو أن مواقف الحياة اليومية والعلاقات مع
الأخرين هي التي تُجهد النساء أكثر مما تفعل مواقف العمل. والعلماء الذين أجروا
اختبارات على ذكور الحيوانات وجدوا أن الذكر، في مقابل سيطرته وهيمنته، يدفع ثمنا
غاليا فيرتفع ضغطه وتتصلب شرايينه. وهاتان علامتان أكيدتان على الإجهاد. كما وجدوا
أن ذكور الحيوانات المتطورة لديها مقادير مرتفعة من الهرمون الذكري الرئيسي، وهو
التستوستيرون الذي يرفع نسبة الكولسترول مما يؤدي الى تصلب الشرايين وهذا من
المشكلات التي يعانيها ذكور البشر أيضا.
التفوق الحسابي
يبدو أن الرجال متفوقون على النساء في
الرياضيات. وربما تقول قائلة إن ذلك راجع إلى عوامل خارجية، إنها البيئة، تلك
البيئة التي تُعلم الفتايات أن الحساب خُلق للصبيان، وبالتالي تكبح عزائمهن. إلا
أن الدراسات التي أجراها العلماء على الأطفال وجدت أن الصبيان تفوقوا على البنات
إلى حد ملحوظ، وراقبوا عوامل خارجية كثيرة تفسر تفوق الذكور، لكنها لم تكن ذات
شأن. وهذا يشير إلى أن العوامل البيولوجية تفسر، ولو على نحو جزئي، الفرق بين
الذكور والإناث في التفكير الحسابي. ويبدو أن الإناث يستخدمن قدرتهن اللغوية
المتفوقة التي يتحكم بها النصف الأيسر من الدماغ لحل المسائل. كما يبدو أن الذكور
أقل اعتمادا على البيئة. وهم يتفوقون في الأمور التجريدية وفي المهمات البصرية،
وهذه يتحكم فيها النصف الأيمن من الدماغ. والذكور ينزعون الى ترتيب الأشياء، من
اللعبة الصغيرة إلى الكون بأسره.
الوجود المحفوف بالمخاطر
لكل قوة ضعف يقابلها، فإذا كان الرجال يتفوقون
في المهمات البصرية والنساء في المهمات اللغوية، فهذا يعني أن موطن القوة لدى أحد
الجنسين هو موطن ضعف لدى الجنس الآخر. وكل من دعا أولادا إلى حفلة لابد من أن يكون
لاحظ أن الفتايات هن أشد نموا ونضجا من الفتيان. والواقع أن حياة الذكور، مند
البداية تحفها أخطار جسام.
لقد بينت الدراسات أن الآجنة الذكور تفوق
الإناث عددا بنسبة تتراوح بين 20 و40 بالمئة. إلا أن عدد الذكور الذين يموتون
نتيجة الإجهاض غير الإرادي يفوق عدد الإناث. والذكور أكثر عرضة للوفاة بعد
الولادة، خصوصا في الشهر الأول من الحياة. والتشوه الذي يصاحب الولادة هو لدى
الذكور أكثر منه لدى الإناث.
ومن أسباب هذه الظاهرة أن الذكور يخضعون
لتغيرات أكثر داخل الرحم، تتسبب في موتهم وهم أجنة أو يبصرون النور وهم أضعف بنية
من الإناث. وإن أقل خلل في الدماغ يوهن الذكر، قبل الولادة أو بعدها، أكثر مما
يوهن الأنثى. وهذا الخلل يؤثر كثيرا في نصف الدماغ الأيسر الخاص بالمهارات
اللغوية. لذلك نجد صعوبات النطق والكلام لدى الذكور هي خمس مرات أقوى منها لدى
الإناث. والذكور الانطوائيون يفوقون الإناث الانطوائيات بمقدار أربعة أضعاف.
أما في ميدان العنف، فمعظم الجرائم يرتكبها
الرجال. وهذا الانحراف ناجم عن خلل يصيب النصف الأيسر من الدماغ الذي ينظم المعارف
اللغوية والعلاقات الاجتماعية. أما الإناث فقد تطور نصف الدماغ لديهن على نحو أكثر
توازنا. وهذا يفسر عدم نزوعهن إلى الانحراف النفسي والجريمة. إلا أنهن يضعفن تحت
أثر الإجهاد.
وساوس النساء
تتعرض النساء لبعض الهواجس والوساوس بمقدار
يفوق الرجال مرتين. ومن هذا القبيل خوفهن من الأماكن المرتفعة والغرف المقفلة
والأفاعي. ويقول الخبراء النفسيون أن الهبوط النفسي والوساوس توجد مترافقة. وهي
تضرب النصف الأيمن من الدماغ، فتصيب مقدارا أكبر من الإناث. ويبدو أن الأمر متعلق
بمسائل وراثية، كما هي حال الذكور بالنسبة إلى أمور أخرى.
وهناك أيضا الإجهاد الذي يسبق الحيض. وهذا
النوع من الإجهاد يترك أثره في أربع نساء من كل عشر. وقد يؤثر جديا في حياة واحدة
من تلك النسوة الأربع. ومن أعراضه ضيق النفس والصرع وصداع الشقيقة وفقدان الذاكرة
وحدة الانفعالات والنزوع الى العنف والجريمة.
مناعة النساء
قد يكون الرجال أقل عرضة من النساء لتقلبات
المزاج، إلا أنهم في الوقت نفسه أقل مناعة ضد المرض. وذلك راجع إلى كون النساء
ينتجن مقدارا أكبر من بروتين الدم المولد للمناعة. ولكن لماذا نجد نظام المناعة
لدى النساء أشد تعقيدا منه لدى الرجال؟
الجواب هو الأولاد. فالمرأة الحامل تحضن في
جسدها مادة غريبة جاءتها من الذكر. وفي الوقت نفسه عليها أن تحمي نفسها وتحمي هذه
المادة الحية الجديدة من أي مرض. ولكي تتمكن من ذلك، ينبغي أن يكون لديها نظام
مناعة أكثر تعقيدا مما لدى أي رجل. غير أن هذه الحسنة تقابلها سيئة. ذلك أن نظام
المناعة الأنثوي يغدو أحيانا أقوى من المطلوب ويهاجم الجسم الذي وُجد ليحميه. وهذا
يفسر اصابة النساء المتزايدة بأمراض ناجمة عن المناعة الذاتية، كالتهاب المفاصل
وداء الذئبة الجلدي، والافراز المفرط للغدة الدرقية الذي يؤثر في السلوك.
لايزال العلم في هذا القرن يكتشف فوارق وراثية
غير متوقعة بين الجنسين. وهذا يعني أن الذكور والإنات اليوم هم نتيجة تاريخ طويل
من النمو والتأقلم. وإن تفوق أحد الجنسين على الآخر في بعض المجالات، فهذا يشير
إلى أن أحدهما وُجد كي يُكمل الآخر. ويبقى الاختلاف بين الجنسين اختلافا محضا، من
غير أن يكون دليلا على التفوق المعنوي.