حينما لا تبدو الوفاة طبيعية،
يتم إجراء تشريح للجثة. يتولى العملية طبيب شرعي : ودوره هو تأكيد الوفاة الطبيعية،
وإكتشاف تاريخ الوفاة، وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول اللحظات الأخيرة من
حياة الشخص المتوفى. في الواقع، عند الموت، يتوقف الجسم عن العمل : يتوقف الهضم، ويتوقف الدم
عن الدوران ... لكن الجسم لم يتصلب بعد : الموت يغير درجة حرارته، وصلابته ... هذا التوقف في الوظائف الحيوية للجسم وقت الوفاة، إلى جانب الآثار الناجمة عنه، يُعطي الطبيب معلومات كثيرة عن طبيعة الوفاة !
كيف تتم العملية ؟
يبدأ تشريح الجثة بفحص خارجي (هل
توجد علامات على الجلد، هل هناك جروح أو أورام أو آثار محددة أخرى على الجسم؟)، ثم
فحص داخلي، يتم خلاله دراسة الأعضاء بدقة. حيث يجب على الطبيب الشرعي أولاً
التأكد من احتمال الوفاة الطبيعية (هل كانت الأعضاء مصابة بتشوهات؟ هل كان الشخص
مريضاً؟) قبل التفكير في احتمال الوفاة الغير الطبيعية (بسبب عمل اجرامي).
عامل الحشرات
إذا كانت الوفاة تعود لعدة أيام، يصبح من المستحيل
تحديد تاريخ حدوثها أثناء تشريح الجثة. وفي هذه الحالة، يتم الإستعانة بعلماء الحشرات (entomologists) . في الواقع، في الساعات الأولى التي تعقب الوفاة، تجذب الجثة الحشرات : التي تضع بيضها على الجثة،
ثم تتغذى عليها اليرقات، مما يساعد على تحلل الجسم. هذه الحشرات لا تأتي دفعة واحد بل عبر مجموعات واحدة تلو الأخرى،
تبعا للروائح المختلفة الصادرة عن التحلل : الذباب الأزرق من نوع (Calliphoridœ) هي الأولى التي تصل بعد ساعات قليلة
من الوفاة. ومن خلال دراسة الحشرات الموجودة في مسرح الجريمة، يحدد الخبراء تاريخ
الوفاة.
في حالة وفاة قديمة أو تعدرالتعرف على الضحية (بسبب تشوه الجثة)، يلجأ المحققون إلى خبراء في علم الأسنان (دراسة الأسنان) و العظام.
تعتبرالأسنان واحدة من أقوى أجزاء الجسم :
حيث تقاوم الحرارة والتحلل. كما تختلف الأسنان بشكل كبير من فرد لآخر
وتوفر معلومات عن عمره أو عاداته : فعلى سبيل المثال، اهتراء الأسنان يختلف
إذا كان الشخص أيمن (يستعمل اليد اليمنى) أو أعسر (يستعمل اليد اليسرى). أما دراسة الجمجمة فهي توفر معلومات عن
العرق والجنس (الجبهة أكثر بروز لدى النساء) والشكل العام للوجه، بينما
تحدد العظام الطويلة مثل عظم الفخذ وعظم العضد حجم الضحية.
تسمح الأنثروبولوجيا، في
بعض الحالات، بإعادة بناء وجه الضحية وإنشاء صورة روبوتية (identikit) تقريبية تساعد في تحديد الهوية.
بعد ثلاثة أيام من موت الإنسان، تبدأ الإنزيمات التي
كانت تهضم الطعام في تحليل الجثة !
تبدأ الإنزيمات التي كانت تهضم الطعام الذي يأكله الإنسان، على قيد الحياة، في هضم جثة هذا الأخير عند موته بعد أن تتحلل خلاياه تلقائيًا أو تدمر بعد حوالي ثلاثة
أيام من الوفاة.
في الواقع، بعد الوفاة، لا تموت البكتيريا الصديقة التي تعيش في الأمعاء بل تطلق الإنزيمات، التي تساهم في هضم الطعام الذي يأكله الانسان، التي تنتشر في جميع أنحاء الجسم وتهاجمه.
لماذا يتصلب الجسم بعد الموت ؟
إن ظاهرة التخشب الموتي أو التيبس الميتي، أي تيبس الجسم بعد الموت، تؤثر على جميع عضلات الجسم. يبدأ هذا الأخير بالتصلب بعد حوالي ساعة من الوفاة. أولاً تتصلب عضلات الرقبة والوجه، ثم يمتد هذا التصلب إلى جميع العضلات.
تبلغ الصلابة ذروتها بين 6 و 10 ساعات بعد الوفاة وتستمر ما بين 12 و 42 ساعة. ثم تختفي تدريجياً. بعد 3 أيام يصبح الجسم طرياً مرة أخرى وتبدأ آلية التعفن.
إذا كان الجسم يصير متصلبًا عند الوفاة فذلك بسبب إطلاق أيونات الكالسيوم في الجسم. ولكي يتمكن الجسم من تفريغ هذا الكالسيوم، فإنه يحتاج إلى طاقة، التي لم تعد لديه. وهكذا يتراكم الكالسيوم مما يؤدي إلى تصلب العضلات.